الفقر والحسد، وإن لم يكونا يغلبان القدر، ويقال: إن كاد إذا أوجب به الفعل دل على النفي، وإذا نفي دل على الوقوع، وقال شاعرهم:
أنحوي هذا الدهر ما هي لفظة * جرت بلساني جرهم وثمود إذا نفيت والله أعلم أوجبت * وإن أوجبت قامت مقام جحود وهذا كما قال عز وجل: " كادوا يكونون عليه لبدا " والمعنى أنهم لم يكونوا، وقال تعالى: " وما كادوا يفعلون " (1) وقد ذبحوا.
وهذه من أعجب القصص في الحسد وهي من أعاجيب الدنيا، كان أيام موسى الهادي ببغداد رجل من أهل النعمة، وكان له جار في دون حاله، وكان يحسده ويسعى بكل مكروه يمكنه، ولا يقدر عليه، قال: فلما طال عليه أمره وجعلت الأيام لا تزيده فيه إلا غيظا، اشترى غلاما صغيرا فرباه وأحسن إليه فلما شب الغلام واشتدت وقوي غضبه، قال له مولاه: يا بني إني أريدك لأمر من الأمور جسيم، فليت شعري كيف لي أنت عند ذلك؟ قال: كيف يكون العبد لمولاه، والمنعم عليه المحسن إليه، والله يا مولاي لو علمت أن رضاك في أن أتقحم النار لرميت بنفسي فيها، ولو علمت أن رضاك في أن أغرق نفسي في لجة البحر لفعلت ذاك وعدد عليه أشياء، فسر بذلك من قوله، وضمه إلى صدره وأكب عليه يترشفه ويقبله، وقال: أرجو أن تكون ممن يصلح لما أريد، قال: يا مولاي إن رأيت أن تمن على عبدك فتخبره بعزمك هذا ليعرفه ويضم عليه جوانحه، قال: لم يأن لذلك بعد، وإذا كان ذلك فأنت موضع سري ومستودع أمانتي.
فتركه سنة فدعاه فقال: أي بني قد أردتك للامر الذي كنت أرشحك له قال له: يا مولاي مرني بما شئت، فوالله لا تزيدني الأيام إلا طاعة لك، قال:
إن جاري فلانا قد بلغ مني مبلغا أحب قتله، قال: فأنا افتك به الساعة، قال:
لا أريد هذا، وأخاف ألا يمكنك، وإن أمكنك أحالوا ذلك علي، ولكني دبرت أن تقتلني أنت وتطرحني على سطحه، فيؤخذ ويقتل بي.