الثاني: العمل والعبادة، وليس يخلو عن رذيلة العز والكبر، واستمالة قلوب الناس الزهاد والعباد ويترشح الكبر منهم في الدنيا والدين أما الدنيا فهو أنهم يرون غيرهم بزيارتهم أولى من أنفسهم بزيادة غيرهم، ويتوقعون قيام الناس بحوائجهم وتوقيرهم والتوسيع لهم في المجالس، وذكرهم بالورع والتقوى وتقديمهم على سائر الناس في الحظوظ إلى غير ذلك مما مر في حق العلماء وكأنهم يرون عبادتهم منة على الخلق.
وأما في الدين فهو أن يرى الناس هالكين، ويرى نفسه ناجيا وهو الهالك تحقيقا مهما رأى ذلك، قال النبي صلى الله عليه وآله: إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس فهو أهلكهم، وروي أن رجلا في بني إسرائيل يقال له: خليع بني إسرائيل لكثرة فساده، مر برجل يقال له: عابد بني إسرائيل، وكانت على رأس العابد غمامة تظله لما مر الخليع به فقال الخليع في نفسه: أنا خليع بني إسرائيل كيف أجلس بجنبه وقال العابد: هو خليع بني إسرائيل كيف يجلس إلي، فأنف منه وقال له: قم عني فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان: مرهما فليستأنفا العمل، فقد غفرت للخليع وأحبطت عمل العابد، وفي حديث آخر فتحولت الغمامة إلى رأس الخليع.
وهذه آفة لا ينفك عنها أحد من العباد إلا من عصمه الله، لكن العلماء والعباد في آفة الكبر على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى أن يكون الكبر مستقرا في قلبه، يرى نفسه خيرا من غيره إلا أنه يجتهد ويتواضع ويفعل فعل من يرى غيره خيرا من نفسه وهذا قد رسخت في قلبه شجرة الكبر، ولكنه قطع أغصانها بالكلية.
الثانية أن يظهر ذلك على أفعاله بالترفع في المجالس والتقدم على الاقران وإظهار الانكار على من يقصر في حقه، وأدنى ذلك في العالم أن يصعر خده للناس كأنه معرض عنهم، وفي العابد أن يعبس وجهه ويقطب جبينه كأنه متنزه عن الناس، مستقذر لهم أو غضبان عليهم، وليس يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى يقبطها ولا في الوجه حتى يعبس، ولا في الخد حتى يصعر، ولا