وسبب يقتضي الغضب والحقد، ويدعو الحسد أيضا إلى جحد الحق حتى يمتنع من قبول النصح، وتعلم العلم، فكم من جاهل يشتاق إلى العلم وقد بقي في الجهل لاستنكافه أن يستفيد من واحد من أهل بلده وأقاربه حسدا وبغيا عليه.
وأما الرياء فهو أيضا يدعو إلى أخلاق المتكبرين حتى أن الرجل ليناظر من يعلم أنه أفضل منه، وليس بينه وبينه معرفة ولا محاسدة ولا حقد. ولكن يمتنع من قبول الحق منه خيفة من أن يقول الناس: إنه أفضل منه.
وأما معالجة الكبر واكتساب التواضع فهو علمي وعملي أما العلمي فهو أن يعرف نفسه وربه، ويكفيه ذلك في إزالته، فإنه مهما عرف نفسه حق المعرفة علم أنه أذل من كل ذليل، وأقل من كل قليل بذاته، وأنه لا يليق به إلا التواضع والذلة والمهانة، وإذا عرف ربه علم أنه لا يليق العظمة والكبرياء إلا بالله.
أما معرفة ربه وعظمته ومجده، فالقول فيه يطول، وهو منتهى علم الصديقين، وأما معرفة نفسه فكذلك أيضا يطول، ويكفيه أن يعرف معنى آية واحدة من كتاب الله تعالى فإنه في القرآن علم الأولين والآخرين لمن فتحت بصيرته، وقد قال تعالى: " قتل الانسان ما أكفره * من اي شئ خلقه * من نطفة خلقه فقدره * ثم السبيل يسره * ثم أماته فأقبره * ثم إذا شاء أنشره " (1) فقد أشار الآية إلى أول خلق الانسان، وإلى آخر أمره، وإلى وسطه، فلينظر الانسان ذلك ليفهم معنى هذه الآية، أما أول الانسان فهو أنه لم يكن شيئا مذكورا، وقد كان ذلك في كتم العدم، دهورا، بل لم يكن لعدمه أول فأي شئ أخس وأقل من المحو والعدم وقد كان كذلك في القدم، ثم خلقه الله تعالى من أذل الأشياء ثم من أقذرها إذ خلقه من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم جعله عظاما، ثم كسى العظام لحما.
فقد كان هذا بداية وجوده، حيث صار شيئا مذكورا، فما صار مذكورا إلا