وأقول: يمكن أن يفرض فيها فرد حرام كأن يتمنى منصبا حراما أو مالا حلالا ليصرفه في الحرام، بل مكروه أيضا كأن يتمنى مال شبهة أو مالا حلالا ليصرفها في المصارف المكروهة.
وقيل: للحسد أسباب كثيرة يحصر جملتها سبعة: العداوة، والتعزز، والكبر والتعجب، والخوف من فوت المقاصد المحبوبة، وحب الرياسة، وخبث النفس وبخلها فإنه إنما يكره النعمة عليها إما لأنه عدوه، فلا يريد له الخير، وإما أن يكون من حيث يعلم أنه يستكبر بالنعمة عليه وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزة نفسه، وهو المراد بالتعزز، وإما أن يكون في طبعه أن يتكبر على المحسود ويمتنع ذلك عليه بنعمته، وهو المراد بالتكبر.
وإما أن يكون النعمة عظيمة والمنصب كبيرا فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة كما أخبر الله تعالى عن الأمم الماضية إذ قالوا: " ما أنتم إلا بشر مثلنا " (1) " وقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا " (2) وأمثال، ذلك كثيرة فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب، مع أنهم بشر مثلهم فحسدوهم وهو المراد بالتعجب.
وإما أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمة بأن يتوصل بها إلى مزاحمته في أغراضه وإما أن يكون بحب الرياسة التي يبتني على الاختصاص بنعمة لا يساوى فيها، وإما أن لا يكون بسبب من هذه الأسباب، بل لخبث النفس وشحها بالخير لعباد الله.
فهذه أسباب الحسد وقد يجتمع بعض هذه الأسباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد، فيعظم الحسد لذلك، ويقوى قوة لا يقدر معها على الاخفاء والمجاملة بل يهتك حجاب المجاملة، ويظهر العداوة بالمكاشفة، وأكثر المحاسدات يجتمع فيها جملة من هذه الأسباب.