ولا يتم التواضع بعد المعرفة إلا بالعمل، فمن عرف نفسه فلينظر إلى كل ما يتقاضاه الكبر من الافعال، فليواظب على نقيضها حتى يصير التواضع له خلقا، وقد ورد في الأخبار الكثيرة علاج الكبر بالاعمال، وبيان أخلاق المتواضعين.
قيل: اعلم أن التكبر يظهر في شمائل الرجل كصعر في وجهه، ونظره شزرا وإطراقه رأسه، وجلوسه متربعا ومتكئا وفي أقواله حتى في صوته ونغمته وصفته في الايراد، ويظهر في مشيته وتبختره وقيامه وجلوسه في حركاته وسكناته وفي تعاطيه لأفعاله وساير تقلباته في أقواله وافعاله وأعماله.
فمن المتكبرين من يجمع ذلك كله، ومنهم من يتكبر في بعض، فمنها التكبر بأن يحب قيام الناس له، أو بين يديه، وقد قال علي صلوات الله عليه:
ومن أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى رجل قاعد وبين يديه قوم قيام، وقال أنس: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وكانوا إذا رأوه لا يقومون له، لما يعلمون من كراهته لذلك.
ومنها أن لا يمشي إلا ومعه غيره يمشي خلفه:
قال أبو الدرداء: لا يزال العبد يزداد من الله بعدا مامشى خلفه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض الأوقات يمشي مع الأصحاب فيأمرهم بالتقدم، ويمشي في غمارهم، ومنها أن لا يزور غيره. وإن كان يحصل من زيارته خير لغيره في الدين، وهو ضد التواضع.
ومنها أن يستنكف من جلوس غيره بالقرب منه إلا أن يجلس بين يديه والتواضع خلافه قال أنس: كانت الوليدة من ولائد المدينة تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وآله ولا ينزع منها يده، حتى تذهب به حيث شاءت.
ومنها أن يتوقى مجالسة المرضى والمعلولين، ويتحاشى عنهم، وهو كبر:
دخل رجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وعليه جدري قد يقشر وعنده أصحابه يأكلون فما جلس عند أحد إلا قام من جنبه، فأجلسه النبي صلى الله عليه وآله بجنبه.
ومنها أن لا يتعاطى بيده شغلا في بيته، والتواضع خلافه، ومنها أن لا يأخذ