" وجادلهم بالتي هي أحسن " (1) وقال: " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " (2).
قلت: هذه الأخبار محمولة على ما إذا كان الغرض محض إظهار الفضل، أو الغلبة على الخصم، أو التعصب وترويج الباطل، أو على ما إذا كان مع عدم القدرة على الغلبة، وإظهار الحق وكشفه، فيصير سببا لمزيد رسوخ الخصم في الباطل، أو على ما إذا أراد إبطال الباطل بباطل، آخر، أو مع إمكان الهداية باللين واللطف يتعدى إلى الغلظة والخشونة المثيرتين للفتن، أو يترك التقية في زمنها، وأما مع عدم التقية والقدرة على تبيين الحق فالسعي في إظهار الحق وإحيائه وإماتة الباطل بأوضح الدلايل وبالتي هي أحسن مع تصحيح النية في ذلك من غير رئاء ولا مراء من أعظم الطاعات، لكن للنفس والشيطان في ذلك طرق خفية ينبغي التحرز عنها والسعي في الاخلاص فيه أهم من ساير العبادات.
ويدل على ما ذكرنا ما ذكره الإمام أبو محمد العسكري عليه السلام في تفسيره قال:
ذكر عند الصادق عليه السلام: الجدال في الدين وأن رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام قد نهوا عنه، فقال الصادق عليه السلام: لم ينه عنه مطلقا لكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن أما تسمعون الله يقول: " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن " وقوله تعالى: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين والجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله تعالى على شيعتنا، وكيف يحرم الله الجدال جملة وهو يقول: " وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى " قال الله تعالى: " تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " (3).
فجعل علم الصدق والايمان بالبرهان، وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي