يأخذون الدنيا للدنيا، بل للدين، وما كانوا يترهبون ويهجرون الدنيا بالكلية وما كان لهم في الأمور تفريط ولا إفراط، بل كانوا بين ذلك قواما، وذلك هو العدل والوسط بين الطرفين، وهو أحب الأمور إلى الله تعالى والله المستعان.
17 - الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبي عبد الله المؤمن، عن جابر قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقال: يا جابر والله إني لمحزون وإني لمشغول القلب، قلت: جعلت فداك، وما شغلك وما حزن قلبك؟
فقال: يا جابر إنه من دخل قلبه صافي خالص دين الله، شغل قلبه عما سواه، يا جابر ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا؟ هل هي إلا طعام أكلته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها؟.
يا جابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها ولم يأمنوا قدومهم الآخرة، يا جابر الآخرة دار قرار، والدنيا دار فناء وزوال، ولكن أهل الدنيا أهل غفلة، وكأن المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة لم يصمهم عن ذكر الله ما سمعوا بآذانهم، ولم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة، ففازوا بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم.
واعلم يا جابر أن أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤنة، وأكثرهم لك معونة تذكر فيعينونك، وإن نسيت ذكروك، قوالون بأمر الله، قوامون على أمر الله قطعوا محبتهم بمحبة ربهم، ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم، ونظروا إلى الله تعالى وإلى محبته بقلوبهم، وعلموا أن ذلك هو المنظور إليه لعظيم شأنه، فأنزل الدنيا كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه، أو كمال وجدته في منامك واستيقظت، وليس معك منه شئ.
إني إنما ضربت لك هذا مثلا لأنها عند أهل اللب والعلم بالله كفيئ الظلال، يا جابر فاحفظ ما استرعاك الله من دينه وحكمته، ولا تسألن عما لك عنده إلا ما له عند نفسك، فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك، فتحول إلى دار المستعتب، فلعمري لرب حريص على أمر قد شقي به حين أتاه، ولرب كاره