بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٨ - الصفحة ٢٥٣
بها وعملها كتبت عليه سيئة (1) وكما رواه عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(١) الكافي ج ٢ ص ٤٢٨، ولفظ الحديث: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد عن علي بن حديد، عن جميل بن دراج، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: إن الله تبارك وتعالى جعل لادم في ذريته: من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ومن هم بحسنة وعملها كتبت له بها عشرا، ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه [سيئة] ومن هم بها وعملها كتبت عليه سيئة وقال المؤلف العلامة في شرحه: يدل على أنه لا مؤاخذة على قصد المعاصي إذا لم يعمل بها وهو يحتمل وجهين: الأول أن تكون سيئة ضعيفة يكفرها تركها، الثاني أن لا يكون القصد متصفا بالحسن والقبح أصلا كما ذهب إليه جماعة، والأول أظهر نعم لو كان بمحض الخطور بدون اختياره، لا يتعلق به التكليف، وقد مر تفصيل ذلك في باب أن الايمان مبثوث لجوارح البدن، وفى باب الوسوسة وقال المحقق الطوسي قدس الله سره في التجريد: إرادة القبيح قبيحة وتفصيله أن ما في النفس ثلاثة أقسام: الأول الخطرات التي لا تقصد ولا تستقر وقد مر أن لا مؤاخذة بها ولا خلاف فيه بين الأمة ظاهرا والثاني الهم وهو حديث النفس اختيارا أن تفعل شيئا أو أن لا تفعل، فإن كان ذلك حسنة كتبت له حسنة واحدة، فان فعلها كتبت له عشر حسنات، وإن كانت سيئة لم تكتب عليه، فان فعلها كتبت عليه سيئة واحدة، كل ذلك مقتضى أحاديث هذا الباب، وكأنه لا خلاف فيه أيضا بين الأمة، الا أن بعض العامة صرح بأن هذه الكرامة مختصة بهذه الأمة وظاهر هذا الخبر أنها كانت في الأمم السابقة أيضا الثالث العزم وهو التصميم وتوطين النفس على الفعل أو الترك، وقد اختلفوا فيه فقال أكثر الأصحاب: أنه لا يؤاخذ به لظاهر هذه الأخبار، وقال: أكثر العامة والمتكلمين والمحدثين أنه يؤاخذ به، لكن بسيئة العزم لا بسيئة المعزوم عليه، لأنها لم تفعل، فان فعلت كتبت سيئة ثانية لقوله تعالى: " ان الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم " وقوله: " اجتنبوا كثيرا من الظن " ولكثرة الأخبار الدالة على حرمة الحسد واحتقار الناس، وإرادة المكروه بهم، وحملوا الأحاديث الدالة على عدم المؤاخذة على الهم والمنكرون أجابوا عن الآيتين بأنهما مخصصان باظهار الفاحشة والمظنون كما هو الظاهر من سياقهما، وعن الثالث أن العزم المختلف فيه ماله صورة في الخارج كالزنا وشرب الخمر، وأما ما لا صورة له في الخارج كالاعتقادات وخبائث النفس مثل الحسد وغيره فليس من صور محل الخلاف، فلا حجة فيه على ما نحن فيه وأما احتقار الناس وإرادة المكروه بهم فاظهارهما حرام يؤاخذ به، ولا نزاع فيه، وبدونه أول المسألة ثم الظاهر أنه لافرق في قوله: " ومن هم بسيئة ولم يعملها لم يكتب عليه " بين أن لم يعملها خوفا من الله، أو خوفا من الناس وصونا لعرضه ثم إن عشر أمثال الحسنة مضمونة البتة لدلالة نص القرآن عليه، وأن الله قد يضاعف لمن يشاء إلى سبعمائة ضعف، كما جاء في بعض الأخبار، والى مالا حساب له كما قال سبحانه: " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " ثم اعلم أن الظاهر أن عدم المؤاخذة بإرادة المعصية إنما هو للمؤمنين فلا ينافي ما مر مرويا عن الصادق (عليه السلام) أنه إنما خلد أهل النار في النار، لان نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبدا، ولو سلم العموم فإنما يعفى عنه إذا بقي زمانا عزم على فعله في ذلك الزمان ولم يفعل، وفى الكافر ليس كذلك، لأنه لم يبق الزمان الذي عزم على الفعل فيه فان قيل: لعله كان لو بقي في أزمنة الأبد أو عاد لم يفعل، قلنا: يعلم الله خلاف ذلك منهم لقوله سبحانه: " ولو ردوا لعادوا لما نهوا " وقد يجاب بأنه لا منافاة بينهما إذ دل أحدهما على عدم المؤاخذة بنية المعصية إذا لم يفعلها ودل الاخر على المؤاخذة بنية المعصية إذا فعلها، فان المنوي كالكفر واستمراره مثلا موجود في الخارج بهذه النية ليست داخلة في النية بالسيئة التي لم يعملها واعترض عليه بأن المعصية ليست سببا للخلود على ما يفهم من الحديث المذكور لكونها في زمان منقطع محصور هو مدة العمر، كذلك نيتها لأنها تنقطع أيضا عند انقطاع العمر، لدلالة الآيات والروايات على ندامة العاصي عند الموت، ومشاهدة أحوال الآخرة فينبغي أن يكون ناويها في النار، بقدر كونها في الدنيا، لا مخلدا فأجيب أولا بأن هذه النية موجبة للخلود لدلالة الحديث عليه بلا معارض، فوجب التسليم والقبول، وثانيا بأن صاحبها في هذه الدنيا التي هي دار التكليف لم يفعل شيئا يوجب نجاته من النار، وندامته بعد الموت لا تنفع لانقطاع زمان التكليف، وثالثا أن سبب الخلود ليس ذات المعصية ونيتها من حيث هي، بل هو المعصية ونيتها على فرض البقاء أبدا، ولا ريب في أنها معصية أبدية موجبة للخلود ابدا انتهى وأقول: لا يخفى ما في الجميع من الوهن والضعف وقد مر بعض القول منافيه في باب النية وقال الشهيد رحمه الله في القواعد: إلى آخر ما تراه في المتن تحت الرقم 14.