وأيم الله لو أن هذه الصفة كانت في متفقين في القوة، متوازنين في القدرة، لكنت أول حاكم على نفسك بذميم الأخلاق، ومساوي الأعمال وحقا أقول: ما الدنيا غرتك، ولكن بها اغتررت، ولقد كاشفتك بالعظات وآذنتك على سواء، ولهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك والنقص في قوتك أصدق وأوفى من أن تكذبك أو تغرك ولرب ناصح لها عندك متهم وصادق من خبرها مكذب ولئن تعرفتها في الديار الخاوية، والربوع الخالية، لتجدنها من حسن تذكيرك وبلاغ موعظتك بمحلة الشفيق عليك والشحيح بك، ولنعم دار من لم يرض بها دارا ومحل من لم يوطنها محلا، وإن السعداء بالدنيا غدا هم الهاربون منها اليوم إذا رجفت الراجفة وحقت بجلائلها القيامة ولحق بكل منسك أهله، وبكل معبود عبدته، وبكل مطاع أهل طاعته فلم يجز في عدله وقسطه يومئذ خرق بصر في الهواء ولاهمس قدم في الأرض إلا بحقه فكم حجة يوم ذاك داحضة، وعلائق عذر منقطعة، فتحر من أمرك ما يقوم به عذرك، وتثبت به حجتك، وخذ ما يبقى لك مما لا تبقى له، وتيسر لسفرك وشم برق النجاة، وارحل مطايا التشمير (1)
(١٩٣)