السماوات والأرض " قالتا أتينا طائعين ". " إنه كان حليما " في الأزل، إذ أخرج من العدم من يكفر به ويجحده " غفورا " لمن تاب عن كفره.
" قلنا يا نار كوني بردا " قال الطبرسي. هذا مثل، فإن النار جماد لا يصح خطابه، والمراد أنا جعلنا النار بردا عليه وسلامة لا يصيبه من أذاها شئ، كما قال سبحانه " كونوا قردة خاسئين (1) " والمعنى أنه صيرهم كذلك لا أنه خاطبهم وأمرهم بذلك. وقيل: يجوز أن يتكلم الله سبحانه بذلك ويكون ذلك صلاحا للملائكة ولطفا لهم. وذكر في كون النار بردا وسلاما على إبراهيم وجوها: أحدها أن الله سبحانه أحدث فيها بردا بدلا من شدة الحرارة فيها فلم تؤذه. وثانيها أنه سبحانه حال بينها وبين إبراهيم فلم تصل إليه. وثالثها أن الاحراق يحصل بالاعتمادات التي في النار صعدا فيجوز أن يذهب سبحانه تلك الاعتمادات. وعلى الجملة فعلمنا أن الله سبحانه منع النار من إحراقه وهو أعلم بتفاصيله (2) - انتهى -.
وقال البيضاوي: انقلاب النار هواء طيبة ليس ببدع، غير أنه هكذا على خلاف المعتاد فهو إذن من معجزاته. وقيل: كانت النار بحالها لكنه تعالى دفع عنه أذاها كما في السمندر، ويشعر به قوله " على إبراهيم " (3) - انتهى -.
وأقول: على مذهب الأشاعرة لا إشكال في ذلك، لأنهم يقولون: لا مؤثر في الوجود إلا الله، وإنما أجرى عادته بالاحراق عند قرب شئ من النار، فإذا أراد غير ذلك لا يخلق الاحراق. وأما عند غيرهم من القائلين بتأثير الطبائع ولزوم الصفات لها فيشكل ذلك عندهم، والأولى أن يقال: إحراق النار وتبريد الثلج وقتل السموم وغير ذلك من التأثيرات لما كانت مشروطة بشروط كقابلية المادة وغيرها فلم لا يجوز أن تكون مشروطة بعدم تعلق إرادة القادر المختار بخلافه (4) فإذا تعلقت