ذلك فيه فالمعادن. وقال بعضهم: وإنما قلنا مع تحقق الحس والحركة لأنه لا قطع بعدمهما في النبات والمعدن، بل ربما يدعى حصول الشعور والإرادة للنبات لامارات تدل على ذلك، مثل ما يشاهد في ميل النخلة الأنثى إلى الذكر وتعشقها به بحيث لو لم تلقح منه لم تثمر، وميل عروق الأشجار إلى جهة الماء، وميل أغصانها في الصعود من جانب الموانع إلى الفضاء. ثم ليس هذا ببعيد عن القواعد الفلسفية، فإن تباعد الأمزجة عن الاعتدال الحقيقي إنما هو على غاية من التدريج، فانتقاض استحقاق الصور الحيوانية وخواصها لابد أن يبلغ قبل الانتفاء إلى حد الضعف والخفاء، و كذا النباتية. ولهذا اتفقوا على أن من المعدنيات ما وصل إلى أفق النباتية، ومن النباتات ما وصل إلى أفق الحيوانية كالنخلة، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وآله " أكرموا عمتكم النخلة ". وقال بعضهم: أخرى طبقات المعادن متصلة بأولى طبقات النباتات كما أن المرجان التي هي من المعادن ينمو في قعر البحر، وهو قريب من النباتات التي تنبت في فصل الربيع وتذبل وتفنى سريعا. وأخرى طبقات النبات تتصل بأولى طبقة الحيوانات كالنخل فإنها شبيهة بالحيوان في أنها إذا غرقت في الماء أو تقطع رأسها تموت ولا تثمر كثيرا بدون اللقاح، ورائحة طلعها شبيهة برائحة المني، وتعشق بعضها بعضا بحيث لا تحمل إلا إذا صب فيها من طلعه، ويميل بعضها إلى بعض، وهي قريبة من الحيوانات المتولدة في الأراضي الندية كالخراطين وأشباهها. وأخرى طبقة الحيوانات تتصل بأفق الانسان كالفيل والقردة، فإنهما تتعلمان بأدنى تعليم، وفي كثير من الصفات شبيهة بالإنسان، وهي قريبة من بعض أفراد الانسان كالسودان والأتراك الذين ليس فيهم من الانسانية إلا الأكل والشرب والنوم والسفاد.
ثم إنهم قالوا: إن الأبخرة والأدخنة المحتبسة في باطن الأرض إذا كثرت يتولد منها ما مر من الرجفة والزلزلة وانفجار العيون، وإذا لم تكن كثيرة اختلطت على ضروب من الاختلاطات المختلفة في الكم والكيف والمزج بحسب الأمكنة والأزمنة والاعدادات، فتكون منها الأجسام المعدنية بإذن الله تعالى، وهي أول ما يحدث من المركبات العنصرية التامة المزاجية. ثم إذا غلب البخار على الدخان