بسبب أنه كان يعرف ذلك ضرورة فيزداد يقينا وتعظيما. وأما المعتزلة فقالوا: لو حصل الكلام في الجبل لحصل إما بفعله أو بفعل الله تعالى فيه، والأول محال لان بنية الجبل لا تحتمل الحياة والعلم والقدرة، وما لا يكون حيا عالما قادرا يستحيل منه الفعل، والثاني أيضا محال، لان المتكلم عندهم من كان فاعلا للكلام لامن كان محلا له، فلو كان فاعل ذلك الكلام هو الله تعالى لكان المتكلم هو الله لا الجبل، فجعلوا التسبيح من السباحة وبناء التفعيل للتكثير مثل قوله " يا جبال أو بي معه " والحاصل:
سيري معه.
واعلم أن مدار هذا القول على أن بنية الجبل لا تقبل الحياة، وهذا ممنوع، و على أن التكلم من فعل الله وهو أيضا ممنوع. وأما الطير فلا امتناع في أن يصدر عنها الكلام ولكن اجتمعت الأمة على أن المكلفين إما الجن (1) والانس أو الملائكة فيمتنع فيها أن تبلغ في العقل إلى درجة التكليف بل يكون حاله كحال الطفل في أن يؤمر وينهى وإن لم يكن مكلفا، فصار ذلك معجزة من حيث جعلها في الفهم بمنزلة المراهق. وأيضا دلالته على قدرة الله وعلى تنزيهه مما لا يجوز فيكون القول فيه كالقول في الجبال - انتهى - (2).
" وعلمناه صنعة لبوس لكم " أي علمناه كيف يصنع الدروع. قال قتادة: أول من صنع الدروع داود وإنما كانت صفائح، جعل الله سبحانه الحديد في يده كالعجين فهو أول من سردها وحلقها فجمعت الخفة والتحصين. " ولسليمان " أي سخرنا له " الريح عاصفة " أي شديدة الهبوب. " ألم تر أن الله يسجد له " لعل المراد بالسجود غاية الخضوع والانقياد الممكن من الشئ، ففي الجمادات والعجم من الحيوانات يحصل منهم غاية الانقياد الذي يتأتى منهم، وكذا الملائكة وصالحوا المؤمنين. وأما الكفار والفجار فلما لم يتأت منهم غاية الانقياد أخرجهم وقال " وكثير من الناس " لأنهم وإن كانوا في الأوامر التكوينية منقادين فليسوا في الأوامر التكليفية كذلك