هذا السجود إلى أنها في أنفسها ممكنة الوجود والعدم قابلة لهما، لأنه لا يرجح أحد الطرفين على الآخر إلا لمرجح. إذا عرفت هذا فنقول: من الناس من قال: المراد بالسجود المذكور في هذه الآية السجود بالمعنى الثاني وهو التواضع والانقياد والدليل عليه أن اللائق بالدابة ليس إلا هذا السجود، ومنهم من قال: المراد بالسجود ههنا هو المعنى الأول، لان اللائق بالملائكة هو السجود بهذا المعنى، لان السجود بالمعنى الثاني حاصل في كل الحيوانات والنباتات والجمادات. ومنهم من قال: السجود لفظ مشترك بين المعنيين، وحمل اللفظ المشترك لإفادة مجموع معنييه جائز، فحمل لفظ السجود في هذه الآية على الامرين معا، أما في حق الدابة فبمعنى التواضع، وأما في حق الملائكة فبمعنى سجود المسلمين لله تعالى. وهذا القول ضعيف لأنه ثبت أن استعمال اللفظ المشترك لإفادة جميع مفهوماته معا غير جائز. قوله " من دابة " قال الأخفش: يريد من الدواب، وقال ابن عباس: يريد كل ما دب على الأرض. فإن قيل: ما الوجه في تخصيص الدواب والملائكة بالذكر؟ قلنا: فيه وجوه:
الأول: أنه تعالى بين في آية الظلال أن الجمادات بأسرها منقادة لله تعالى، لان أخسها الدواب وأشرفها الملائكة، فلما بين في أخسها وأشرفها كونها منقادة لله تعالى وبين بهذه الآية أن الحيوانات بأسرها منقادة لله تعالى كان ذلك دليلا على أنها بأسرها منقادة خاضعة لله تعالى.
والوجه الثاني: قال حكماء الاسلام: الدابة اشتقاقها من الدبيب، والدبيب عبارة عن الحركة الجسمانية، فالدابة اسم لكل حيوان جسماني يتحرك ويدب فلما ميز الله الملائكة من الدابة علمنا أنها ليست مما يدب بل هي أرواح محضة مجردة. ويمكن الجواب عنه بأن الطير بالجناح مغائر للدبيب (1) بدليل قوله تعالى " وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه (2) " - انتهى - (3).