لم يسجد لصنم، كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله فلما سمع الحسن والحسين عليهما السلام صرخات الناس ناديا: وا أبتاه وا علياه ليت الموت أعدمنا الحياة، فلما وصلا الجامع ودخلا وجدا أبا جعدة بن هبيرة ومعه جماعة من الناس، وهم يجتهدون أن يقيموا الامام في المحراب ليصلي بالناس، فلم يطق على النهوض وتأخر عن الصف وتقدم الحسن عليه السلام فصلى بالناس وأمير المؤمنين عليه السلام يصلي إيماءا من جلوس، وهو يمسح الدم عن وجهه وكريمه الشريف، يميل تارة ويسكن أخرى، و الحسن عليه السلام ينادي: وا انقطاع ظهراه يعز والله علي أن أراك هكذا، ففتح عينه و قال: يا بني لا جزع على أبيك بعد اليوم، هذا جدك محمد المصطفى وجدتك خديجة الكبرى وأمك فاطمة الزهراء والحور العين محدقون منتظرون قدوم أبيك، فطب نفسا وقر عينا وكف عن البكاء، فإن الملائكة قد ارتفعت أصواتهم إلى السماء.
قال: ثم إن الخبر شاع في جوانب الكوفة وانحشر الناس حتى المخدرات خرجن من خدرهن إلى الجامع ينظرن إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فدخل الناس الجامع فوجدوا الحسن ورأس أبيه في حجره، وقد غسل الدم عنه وشد الضربة وهي بعدها تشخب دما، ووجهه قد زاد بياضا بصفرة، وهو يرمق السماء بطرفه و لسانه يسبح الله ويوحده، وهو يقول: " أسألك يا رب الرفيع الأعلى " فأخذ الحسن عليه السلام رأسه في حجره فوجده مغشيا عليه، فعندها بكى بكاء شديدا وجعل يقبل وجه أبيه وما بين عينيه وموضع سجوده، فسقط من دموعه قطرات على وجه أمير المؤمنين عليه السلام، ففتح عينيه فرآه باكيا، فقال له: يا بني يا حسن ما هذا البكاء؟
يا بني لا روع على أبيك بعد اليوم، هذا جدك محمد المصطفى وخديجة وفاطمة والحور العين محدقون منتظرون قدوم أبيك، فطب نفسا وقر عينا، واكفف عن البكاء فإن الملائكة قد ارتفعت أصواتهم إلى السماء، يا بني أتجزع على أبيك وغدا تقتل بعدي مسموما مظلوما؟ ويقتل أخوك بالسيف هكذا، وتلحقان بجدكما وأبيكما و أمكما، فقال له الحسن عليه السلام: يا أبتاه ما تعرفنا من قتلك ومن فعل بك هذا؟