أطلعوا عليها خواصهم، ولم يكن يتم به الاحتجاج على المخالفين، بل ربما كانوا يحترزون عن إظهار أمثال تلك الأمور لأكثر الشيعة أيضا، لئلا تقبله عقولهم ولئلا يغلو فيهم، فالمعنى: غصبناه ظاهرا وبزعم الناس إن صحت تلك القصة.
وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه في جواب المسائل السروية: إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنته من عمر لم يثبت، وطريقته من الزبير بن بكار ولم يكن موثوقا به في النقل، وكان متهما فيما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين عليه السلام وغير مأمون، والحديث نفسه مختلف، فتارة يروى أن أمير المؤمنين تولى العقد له على ابنته، وتارة يروى عن العباس أنه تولى ذلك عنه، وتارة يروى أنه لم يقع العقد إلا بعد وعيد عن عمر وتهديد لبني هاشم، وتارة يروى أنه كان عن اختيار و إيثار، ثم بعض الرواة يذكر أن عمر أولدها ولدا سماه زيدا، وبعضهم يقول: إن لزيد بن عمر عقبا، ومنهم من يقول: إنه قتل ولا عقب له، ومنهم من يقول: إنه وأمه قتلا، ومنهم من يقول: إن أمه بقيت بعده، ومنهم من يقول: إن عمر أمهر أم كلثوم أربعين ألف درهم، ومنهم من يقول: مهرها أربعة آلاف درهم، ومنهم من يقول: كان مهرها خمسمائة درهم، وهذا الاختلاف مما يبطل الحديث.
ثم إنه لو صح لكان له وجهان لا ينافيان مذهب الشيعة في ضلال المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام أحدهما أن النكاح إنما هو على ظاهر الاسلام الذي هو الشهادتان والصلاة إلى الكعبة والاقرار بجملة الشريعة، وإن كان الأفضل مناكحة من يعتقد الايمان، ويكره مناكحة من ضم إلى ظاهر الاسلام ضلالا يخرجه عن الايمان، إلا أن الضرورة متى قادت إلى مناكحة الضال مع إظهاره كلمة الاسلام زالت الكراهة من ذلك، وأمير المؤمنين عليه السلام كان مضطرا إلى مناكحة الرجل، لأنه تهدده وتواعده، فلم يأمنه على نفسه وشيعته، فأجابه إلى ذلك ضرورة، كما أن الضرورة يشرع إظهار كلمة الكفر، وليس ذلك بأعجب من قول لوط: " هؤلاء بناتي هن أطهر لكم (1) " فدعاهم إلى العقد عليهم لبناته وهم كفار ضلال قد أذن الله