وروي أن الشيخين هربا ورجع عمر وهو ينشف دموعه، ويسأل عليا العفو فقال له: ألست المنادي: قتل محمد ارجعوا إلى أديانكم؟ فقال: إنما قاله أبو بكر فقال عليه السلام: أنتما ومن اتبعكما حينئذ حصب جهنم، أنتم لها واردون، ثم نزلت (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان (1)).
وروى ابن حنبل أيضا أن عليا أخذ في اليمن جارية فكتب خالد مع بريدة إلى النبي صلى الله عليه وآله فأعلمه فغضب وقال: يا بريدة لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه.
وأورده ابن مردويه من طرق عدة وفي بعضها أن النبي صلى الله عليه وآله قال لبريدة:
إيها عنك فقد أكثرت الوقوع في علي، فوالله إنك لتقع في رجل أولى الناس بكم بعدي، وفي بعضها إنه طلب من النبي صلى الله عليه وآله الاستغفار، فقال له: حتى يأتي علي فلما أتى علي قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: إن تستغفر له (2) فاستغفر، وفي بعضها أن بريدة امتنع من بيعة أبي بكر لأجل النص الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وآله بالولاية بعده، وفي بعضها أن بريدة بايع النبي صلى الله عليه وآله على الاسلام جديدا، ولولا أن الانكار على علي يوجب تكفيرا، لم يكن لبيعة بريدة ثانيا معنى، وهذا شئ لم يوجد لغيره من أصحابه قطعا.
فهذه كتب القوم التي هي عندهم صادقة، بولاية علي عليه السلام ناطقة، إذ في جعله من بدنه مثل الرأس، دليل تقديمه على سائر الناس.
إن قيل: فقوله: لا يؤدي عني إلا هو، فيه رفع الإمامة عن أولاده، وليس ذلك من مذهبكم قلنا: لا، فإن حكمهم واحد، وأمرهم واحد، لأن ما أداه علي أخذه أولاده منه واحد بعد واحد، فكان المؤدي إلى الناس هو وإن كان بواسطة ولأن النبي صلى الله عليه وآله كان يعلم تغلب القوم على أمره، فنفى التأدية عنهم لا عن أولاده، كيف ذلك وقد نص عليهم في مقام بعد مقام، وسيأتي ذلك في جملة من نصوصه عليه السلام، فيجب حمل نفي التأدية على غيرهم، دفعا لتناقض الكلام.