الأمر أن يراد خلافه، سقطت الأوامر، وسقطت ثمرة (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم (1)) وكيف يترك الأمة في حيرتها مع شدة شفقته عليها، وقد أثنى الله عليه في قوله: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (2)).
إن قيل: إنما كتب الله الوصية بأمور الدنيا للوالدين والأقربين، ولمن عليه دين أو كان له طفل ونحو ذلك، أما في أمور الدنيا فلا، قلنا: الوصية بالدين أعظم، وخصوصا من النبي المرشد إلى الدين فذكر الوصية للدنيا تنبيه بالأدنى على الأعلى، فالوصية به أولى، وبالدين قد أوصى يعقوب بقوله: (يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون (3)) وقد اعترف الخلفاء والعلماء والصدر الأول وغيره من الشعراء بوصية سيد الأنبياء.
قالوا: أسند مسلم والبخاري في الحديث التاسع من المتفق عليه أن طلحة ابن مصرف سأل ابن أبي أوفى: هل أوصى النبي؟ صلى الله عليه وآله فقال: لا، قال: فكيف كتب على الناس الوصية وأمر بها؟ قال: أوصى بكتاب الله وفي حديث وكيع كيف أمر الناس بالوصية؟ وفي حديث نمير: كيف كتب على المسلمين الوصية؟
قال الحميدي: وفي الحديث زيادة لم يخرجها مسلم والبخاري ذكرها أبو مسعود وأبو بكر البرقاني وهي أن أبا بكر كان يتأمر على وصي رسول الله.
فنقول: في صحيح مسلم من طرق عدة ما حق مسلم أن يبيت إلا ووصيته عنده مكتوبة وأخرجه البخاري أيضا وخبر ابن أبي أوفى الذي لم يذكر فيه الوصية بالعترة مردود لأنه لم يسنده إلى أحد ولأنه منحرف عن علي عليه السلام ولأن شهادته على نفي فلا تسمع، ولأنه خبر واحد، ومخالف للشهرة والكتاب وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله باطراح ما خالف الكتاب والسنة، وقد روته الفرقة المحقة في مواضع لا تحصى