على عدم جواز ذلك مطلقا عليهم، وبعضهم أجازه سهوا منهم، وربما استندوا في ذلك إلى ظواهر آيات تدل على ذلك، وهي أوهام كاذبة قد علم جوابها من التنزيهات وغيرها. والدليل على العصمة مطلقا أن عدمها في وقت ما يناقض المقصود من بعثهم، وهو امتثال أمرهم الذي لا يتم إلا بالوثوق بقولهم المسبب عن العلم بعدم صدور الذنب عنهم، ولو جوزوا معصيتهم، جوزوا تزيدهم ونقصهم في مأموراتهم ولو صدر الذنب عنهم لهبطوا عن منازل العوام، لعلو قدرهم ولردت شهادتهم لآية:
(إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا (1)) وذلك يناقض قوله تعالى: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (2)) ولأن معصيتهم تقتضي وجوب أذاهم، ونبوتهم تقتضي تحريمه فلا يجتمعان، فمتى ثبتت المعصية انتفت النبوة وبالعكس، ولأنه لا يجب اتباعهم إلا بعد العلم بصدقهم، ومع تجويز عصيانهم لا نعلم بصدقهم، بل في ذلك التنفر عنهم.
إن قيل: إن أكثر الناس لم يتنفر عنهم مع اعتقادهم عدم عصمتهم، قلنا:
الذنب إذا حصل منهم لا يوجب ترك قولهم بالكلية، فإن العصمة لما كانت مقربة غير موجبة للاتباع، كان عدمها غير موجب للامتناع. فقبول المجوزين لعدم عصمتهم لا يقدح في أن عصيانهم مفسدة، وحينئذ، فالعصمة واجبة.
إن قيل: فالصغاير منهم لا توجب التنفر عنهم لوقوعها مكفرة، قلنا هذا بناء على التحابط، وهو باطل، ولأن الصغاير لا يميزها أكثر الناس من الكبائر فينفروا بسببها مطلقا، ولا يعرف الأكثر تكفير الصغاير فلا يزول التنفر، فلا يحصل النفع بالتنذير على كل تقدير، فقبح الله قوما أضافوا إلى نبيهم ما تنفر؟
منه عقولهم، ويبرؤون منه لو نسب إليهم، فنسبوه إلى عدم الغيرة والأنفة، حيث روى مسلم والبخاري، أن عائشة وضعت خدها على خده وتفرجت على السودان