وقالت الخرمية: بعده أنبياء لقوله تعالى: (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (1)) وهذا لفظ مستقبل. قلنا: قد أتى المستقبل بمعنى الماضي: (يريد الله أن يخفف عنكم (2). إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (3) يريدون أن يبدلوا كلام الله (4)) على أن في الآية إضمارا أي يأتكم نبأ رسل كانوا من قبلكم وكانوا يقصون دلالاتي وقد أنزلت عليكم، فمن عمل بها فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ويؤيد ذلك، الآية التي بعدها (والذين كذبوا بآياتنا و استكبروا عنها أولئك أصحاب النار) ولو سلم كونها للاستقبال حقيقة، فقد خصها النبي بقوله: لا نبي بعدي وتخصيص الكتاب بقوله جايز.
قالوا: فآية (وخاتم النبيين) يدل على أن بعده أنبياء لأن الخاتم في المعتاد هو في الوسط كختم الكتاب في وسطه. قلنا: خاتم بكسر التاء هو الآخر، مثل:
ختامه مسك، وهذا خاتم هذا الأمر، وعلى قراءة عاصم بفتح التاء فمعناه الذي جمع الجميع مفرغ من أمره، فأجرى خاتم بالفتح مجرى المصدر.
قالوا: قوله تعالى: (أرسلنا رسلنا تترى (5)) أي لا تنقطع قلنا أرسلنا لفظ ماض فيجب حمل تترى على معنى الماضي وإلا خرب النظم ولو كان تترى معناه لا تنقطع لزم إنكار المعاد، إذ فيه تنقطع الرسل إجماعا، وأيضا فقد نقلت أعلام النبي وفيها لا نبي بعدي، فإن صدقوا بها بطل ما قالوه، وإن طعنوا في نقلها لزمهم الطعن في كل من نقل معجزة لنبي، وإن قالوا: لو كان الخبر صحيحا لعرفناه.
قلنا: لم تنظروا فيه إذ بهذا يتفصل عن اليهود والنصارى لما قالوا: لو كانت معاجز محمد صحيحة لعرفناها.