وقد ذكر محمد بن عمر الرازي المعروف بابن خطيب الري وهو من أعظم علماء الأشعرية صاحب التصانيف الكثيرة طرفا منها أيضا، يقول في الكتاب الذي صنفه وجعله دستورا لولده وسماه كتاب الأربعين في الفصل الخامس من المسألة التاسعة والثلاثين في بيان أفضل الصحابة بعد رسول الله " ص " ويورد عشرين حجة في أن علي بن أبي طالب أفضل الصحابة بعد رسول الله، يقول في الحجة الثالثة منها ما هذا لفظه: إن عليا كان أعلم الصحابة والأعلم أفضل، وإنما قلنا إن عليا كان أعلم الصحابة للإجمال والتفصيل.
أما الاجمال فهو أنه لا نزاع أن عليا كان في أصل الخلقة في غاية الذكاء والفطنة والاستعداد للعلم وكان محمد " ص " أفضل العقلاء وأعلم العلماء وكان علي في غاية الحرص في طلب العلم وكان محمد صلوات الله عليه وآله في غاية الحرص في تربية علي وفي إرشاده إلى اكتساب الفضائل، ثم إن عليا عليه السلام نشأ من أول صغره في حجر محمد " ص " وفي كبره صار ختنا له وكان يدخل عليه في كل الأوقات، ومن المعلوم أن التلميذ إذا كان في غاية الذكاء والحرص على النقل وكان الأستاذ في غاية الفضل وفي غاية الحرص على التعليم، ثم اتفق لمثل هذا التلميذ أن يتصل بخدمة هذا الأستاذ من زمان الصغر وكان ذلك الاتصال بخدمته حاصلا في كل الأوقات فإنه يبلغ التلميذ في العلم مبلغا عظيما.
وهذا بيان إجمالي أن عليا كان أعلم الصحابة، وأما أبو بكر فإنه اتصل بخدمته صلى الله عليه وآله وسلم في زمان الكبر، وأيضا ما كان يصل إلى خدمته في اليوم والليلة إلا زمانا يسيرا، أما علي فإنه اتصل بخدمته في زمان الصغر وقد قيل: العلم في الصغر كالنقش في الحجر والعلم في الكبر كالنقش في المدر، فثبت بما ذكرنا أن عليا كان أعلم من أبي بكر.