وما وصل إلينا من عيسى عليه السلام مثل عموم قول علي، وهذه حجة على أهل المشارق والمغارب، وهذه منقبة لعلي بن أبي طالب عليه السلام باهرة ومعجزة للرسول قاهرة.
ومن عجائبه في هذا القول المذكور أنه قال ذلك على رؤس الأشهاد وبمحضر الأعداء والحساد، فكأنه تحدى به من سمعه ومن سيبلغه من العباد وجعله حجة لله ولرسوله إلى يوم المعاد.
ومن عجائب هذا القول إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان مع علمه بتفصيل الأحوال، يسير في الناس بالمقال والفعال سيرة لا يعتقد من يراه أنه عارف ببواطن تلك الأعمال والأفعال والأقوال، وقد عرف العقلاء إن كل من عرف واطلع على يتجدد من حركة من حركات نفسه أو حركات من يصحبه أو يطلع على أسرار الناس فإنه يظهر على وجهه وفعله أثر علمه بذلك قبل سماعه من غيره وعلي عليه السلام مع علمه بذلك يكون كمن لا يعلم، وما هذا إلا من الآيات الباهرات والجمع بين المشكلات.
ومن عجائب علي بن أبي طالب عليه السلام أنه بمقتضى علمه المشار إليه قد علم أيضا ما يتجدد من معاوية وما يجري الحال عليه في حروبه له وبقاء معاوية بعده واستقامة الأمر لمعاوية بعده، ومع هذا فكان إذا شاهده الناظرون في حروبه مع معاوية وإقدامه وتهجمه وحثه على الجهاد واهتمامه بالإصدار والإيراد لا يشك الناظر إليه إن علي بن أبي طالب عليه السلام يعتقد أنه يغلب معاوية ويأخذ الإمارة وينزع الملك عنه.
وقد عرف أولوا الألباب أنه متى عرف أحدهم أنه إذا خاصم عدوا أو حارب إنسانا غلبه العدو أو كان العاقبة لخصمه أنه يضعف جنانه ويذل لسانه ولا تساعده همته ولا تعاضده شجاعته، وإن نهض مع ذلك إلى عدوه وخصمه فبقلب مسلم للعطب والذلة وحركات تشهد عليه بالضعف عمن قصد إليه، وعلي بن أبي طالب