الحميدي في الحديث الثامن من مسند عمر، فإذا كان القرب من الأنبياء هو سبب استحقاق الخلافة والإمامة، فكيف استجازوا استخلاف أبي بكر وتركوا العباس وعليا وغيرهما من بني هاشم، وبنو هاشم أقرب إلى نبيهم من بني تيم وعدي، وقد تقدم في رواية أحمد بن حنبل وغيره أن بني هاشم أفضل، فكيف صار الأقرب الأفضل أقل منزلة من الأبعد الأرذل.
ومن طرائف أمورهم ومناقضاتهم أن خليفتهم أبا بكر يظهر عنه وعن أتباعه أنهم يعتقدون إن رأيهم وتدبيرهم أكمل من رأي نبيهم وتدبيره، لأنهم يذكرون أن نبيهم رأى المصلحة في ترك النص على خليفة المسلمين، وأبو بكر وأتباعه رأوا أن المصلحة في النص على عمر وتعيين خلافته على المسلمين، ثم إن خليفتهم حيث استصوب مخالفة نبيهم في ترك النص أقدم أيضا واستصوب مخالفة أتباعه في أن الإمامة باختيار الأمة، وانفرد هو وحده باختيار عمر للخلافة ولم يلتفت إلى حصول اتفاق الأمة، ثم تجاوز ذلك إلى أنه لم يلتفت أيضا إلى كراهة المسلمين بخلافة عمر على ما رواه المسلمون.
وقد ذكر المبرد في كتابه الكامل عن الرحمن بن عوف: قال دخلت على أبي بكر في علته التي مات فيها، فقلت: أراك بارئا يا خليفة رسول الله، فقال:
أما إني على ذلك لشديد الوجع ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد على من وجعي، إني وليت أموركم خيركم في نفسي فكلكم ورم أنفه. قال المبرد:
معنى ورم أنفه أي امتلئ من ذلك غيظا.
وروى كراهتهم لخلافته عمر أيضا جماعة من العلماء، وابن عبد ربه المغربي في الجزء الرابع من كتاب العقد، فلم يلتفت أبو بكر إلى ذلك كله. فكيف صار اختياره وحده يقوم مقام اختيار علماء الأمة وصلحائها؟ وكيف صار راية في تعيين من يقوم مقام نبيهم أفضل من رأى نبيهم؟ وكيف صار كراهتهم لا تؤثر في رأيه وحده؟