يوم السقيفة فرأى عمر أن الصواب في مخالفته وخلافته.
ومن ذلك أنهم رووا كما تقدم في خبر الصلاة أن أبا بكر لما جاءه رسول نبيهم يأمره بالصلاة في مرضه فقال أبو بكر لعمر: تقدم أنت فصل بالناس، فاستصوب عمر مخالفة أبي بكر في ذلك ولم يتقدم.
ومن ذلك ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الحديث الثامن من أحاديث البخاري في عبد الله بن الزبير عن رسول الله " ص " قال: قدم ركب من بني تيم على النبي " ص " فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد بن زرارة، فقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس، قال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، وقال عمر: ما أردت إلا خلافك قال: فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما - الخبر (1).
فكيف تقلد أبو بكر خلافة عمر مع ما شاهده من اختلاف الآراء وما يجوز بعده من المناقضة في الأهواء، إن ذلك من طرائف الأشياء وشهادتهم على أعيان خلفائهم أنهم يرفعون أصواتهم فوق صوت نبيهم ويقدمون بين يديه وكتابهم يتضمن " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " ويتضمن " لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ".
ومن طريف استقالة أبي من الخلافة أنه إن كان استقال منها وهو يعلم أنه أقوم بها وأصلح للمسلمين فقد خان الله ورسوله والأمة، وإن كان استقال وهو يعلم أن غيره أصلح للأمة فهلا عين على الأصلح للأمة؟ وكيف دخل فيها وهو يعلم أن غيره أصلح للمسلمين، وإن كان لا يعلم هل هو أصلح أو غيره فكيف يتقلد هذا الأمر مع شكه هل يصلح له أو لا يصلح، إن هذا من أعجب ما شهدوا به على خليفتهم من الاضطراب والعدول عن الصواب.