وأمي أوصني بوصية ينفعني الله بها؟ فقال: نعم وأكرم بك يا أبا ذر إنك منا أهل البيت وإني موصيك بوصية فاحفظها، فإنها جامعة لطرق الخير وسبله، فإنك إن حفظتها كان لك بها كفلان.
يا أبا ذر: اعبد الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك. واعلم أن أول عبادة الله المعرفة به فهو الأول قبل كل شئ فلا شئ قبله، والفرد فلا ثاني له، والباقي لا إلى غاية، فاطر السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما من شئ وهو الله اللطيف الخبير وهو على كل شئ قدير، ثم الايمان بي والاقرار بأن الله تعالى أرسلني إلى كافة الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، ثم حب أهل بيتي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
واعلم يا أبا ذر: إن الله عز وجل جعل أهل بيتي في أمتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن رغب عنها غرق، ومثل باب حطة في بني إسرائيل من دخلها كان آمنا.
يا أبا ذر: احفظ ما أوصيك به تكن سعيدا في الدنيا والآخرة.
يا أبا ذر: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ.
يا أبا ذر: اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.
يا أبا ذر: إياك والتسويف بعملك فإنك بيومك ولست بما بعده، فإن يكن غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم. وإن لم يكن غدا لم تندم على ما فرطت في اليوم.
يا أبا ذر: كم من مستقبل يوما لا يستكمله، ومنتظر غدا لا يبلغه.
يا أبا ذر: لو نظرت إلى الاجل ومسيره لأبغضت الامل وغروره.
يا أبا ذر: كن كأنك في الدنيا غريب أو كعابر سبيل. وعد نفسك من أصحاب القبور.
يا أبا ذر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء. وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح. وخذ من صحتك قبل سقمك. ومن حياتك قبل موتك، فإنك لا تدري ما اسمك غدا.
يا أبا ذر: إياك أن تدركك الصرعة عند العثرة، فلا تقال العثرة، ولا تمكن من الرجعة. ولا يحمدك من خلفت بما تركت. ولا يعذرك من تقدم عليه بما اشتغلت به.