لما حذر من الغفلة، وفرحا بما أصاب من الفضل والرحمة. وإن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب. قرة عينه فيما لا يزول. وزهادته فيما لا يبقى. يمزج الحلم بالعلم، والقول بالعمل. تراه قريبا أمله، قليلا زلله، خاشعا قلبه، قانعة نفسه، منزورا أكله، سهلا أمره، حريزا دينه، ميتة شهوته، مكظوما غيظه، قليلا شره، كثيرا ذكره، صادقا قوله. الخير منه مأمول، والشر منه مأمون. وإن كان في الغافلين كتب في الذاكرين. وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين. يعفو عمن ظلمه.
ويعطي من حرمه. ويصل من قطعه. وبعيدا فحشه. لينا قوله. غائبا منكره.
حاضرا معروفه. مقبلا خيره. مدبرا شره. في الزلازل وقور. وفي المكاره صبور.
وفي الرخاء شكور. لا يحيف على من يبغض. ولا يأثم فيمن يحب. ولا يدعي ما ليس له ولا يجحد حقا هو عليه. يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه. ولا يضيع ما استحفظ.
ولا ينسي ما ذكر. ولا يتنابز بالألقاب. ولا يضار بالجار. ولا يشمت بالمصائب.
سريعا إلى الصلوات مؤديا للأمانات. بطيئا عن المنكرات. يأمرون بالمعروف وينهى عن المنكر. لا يدخل في الباطل ولا تخرج من الحق. إن صمت لم يغمه صمته. وإن نطق لم يقل حظه. وإن ضحك لم يعل صوته قانع بالذي هو له. لا يحمح به الغيظ ولا يغلبه الهوى ولا يقهره الشح. يخالط الناس ليعلم. ويصمت ليسلم. ويسأل ليفهم. ويتجر ليغنم. ولا يعمل الخير ليفخر به. ولا يتكلم به لتتجبر به على من سواه. وإن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له. نفسه منه في غناء. والناس منه في راحة أتعب نفسه لاخرته، وأراح الناس من نفسه. بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة.
ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة. ليس تباعده تكبرا وعظمة، ولا دنوه لمكر ولا خديعة.
قال: فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها. فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أما والله لقد كنت أخافها عليه. ثم قال: هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها. فقال له قائل:
فما بالك أنت يا أمير المؤمنين؟ فقال (عليه السلام): ويحك إن لكل أجل وقتا لن يعدوه وسببا لا يتجاوزه. فمهلا لا تعد لمثلها، فإنما نفث الشيطان على لسانك.
هذا آخر ما أردنا أن نجمعه من السير النبوية والآداب المروية وقد وفينا بما شرطناه نسأل الله أن يوفقنا للعمل بذلك خالصا لوجهه وموجبا لرضوانه ومغفرته وموصلا إلى جناته وكرامته بمنه وجوده وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.