ولقد دخل أبو جعفر (عليه السلام) على أبيه زين العابدين (عليه السلام) فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفر لونه من السهر ورمصت عيناه من البكاء (1) ودبرت جبهته وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، فقال أبو جعفر (عليه السلام):
فلم أملك حين رأيته بتلك الحالة من البكاء فبكيت رحمة له، وكان يفكر فالتفت إلي بعد هنيئة من دخولي فقال: يا بني: أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي (عليه السلام)، فأعطيته فقرأ فيها يسيرا ثم تركها من يده تضجرا وقال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب (عليه السلام).
وكان علي بن الحسين عليهما السلام إذا توضأ اصفر لونه، فقيل له: ما هذا الذي يغشاك؟ فقال: أتدرون من أتأهب للقيام بين يديه؟!.
وروي أن الكاظم (عليه السلام) كان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع (2).
الفصل الرابع (في نوادر من الصلوات) (في الاستخارة) قال الصادق (عليه السلام): إذا أردت أمرا فلا تشاور فيه أحدا حتى تشاور ربك، قال: قلت له: وكيف أشاور ربي؟ قال: تقول " أستخير الله " مائة مرة ثم تشاور الناس، فإن الله يجري لك الخيرة (3) على لسان من أحب.
من كتاب المحاسن، عن الحلبي (4)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن المشورة لا تكون إلا بحدودها الأربعة فمن عرفها بحدودها وإلا كانت مضرتها على المستشير أكثر من منفعتها، فأولها أن يكون الذي تشاوره عاقلا، والثاني أن يكون حرا متدينا،