فحملوا إلى أبي جعفر مصفدين في الحديد على الجمال بلا أوطية. فوافوا أبا جعفر في طريق مكة بالربذة، فسأله عبد الله أن يأذن له عليه. فأبى أبو جعفر وصيرهم إلى السجن، فمات عبد الله في السجن (1) بعد ثلاث سنين، ومات إخوته، وتغيب محمد وإبراهيم في البادية. ثم ظهر محمد بن عبد الله بن الحسن في المدينة أول يوم من رجب من سنة خمس وأربعين ومائة ودخل مسجد المدينة قبل الفجر. فخطب حتى حضرت الصلاة، فنزل وصلى بالناس، وذلك بعد أن اجتمع إليه من كان يبايعه، وبايعه سائر الناس طوعا، واستعمل العمال، و غلب على المدينة ومكة والبصرة وجبى الأموال، وانتهى أمره إلى أبي جعفر، وكان إبراهيم أخوه قد صار إلى البصرة يدعو إليه، وأنفذ أبو جعفر إليهما عيسى بن موسى في أربعة آلاف من الجند (2)، فلما أحس محمد بن عبد الله به قد أتى حفر خندق النبي صلى الله عليه وآله الذي كان احتفره للأحزاب، فاجتمع زهاء ألف رجل. فلما قرب منه عيسى، قام خطيبا فيهم، فقال:
أيها الناس إن هذا الرجل قد قرب منكم في عدد وعدة، وأحللتكم من بيعتي، فمن أحب القيام، فليقم، ومن أحب الانصراف، فلينصرف.
فلما سمعوا ذلك تسلل أكثرهم عنه، وبقي في شرذمة (3) ونزل عيسى بن موسى بالخندق على أربعة أميال من المدينة يوم السبت لاثني عشرة ليلة من شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة. فأقام يوم السبت ويوم الأحد. وبرز إليه محمد غداة يوم الاثنين في أهل المدينة. فلما ترأت الفئتان نادى عيسى بن موسى بنفسه: يا محمد إن أمير المؤمنين أمرني أن لا أقاتلك حتى أعرض الأمان على نفسك وأهلك ومالك وولدك وأصحابك، وتعطي من المال كذا وكذا،