الأزلي (من الله الحسنى) هي السعادة والطاعة والبشر للجنة وهم الذين أخذت العناية الأزلية بأيديهم في ظلم الشبهات وقادتهم التوفيقات الربانية في الأئمة الهداة للاستعلام عن حل المشكلات والمتشابهات فهداهم إلى سبيل النجاة فاهتدوا بنور هدايتهم إلى تمييز الحق من الباطل والصحيح من السقيم واعلم أن غرضه عليه السلام من هذه الخطبة هو الشكاية عن الأمة بتركهم الإمام الهادي الفارق بين الحق والباطل وتمسكهم بعقولهم الناقصة وأهوائهم الفاسدة فصار ذلك سببا لعدولهم عن القوانين الشرعية لسوء فهمهم وعدم وقوفهم على مقاصدها وضموا إليها متخيلات أوهامهم ومخترعات أفهامهم فحملوها على غير وجوهها كأهل الخلاف فإنهم ضموا حقا - وهو أنه لابد لهذه الأمة من إمام - إلى باطل وهو أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم ينص به فاخترعوا لأنفسهم إماما وكالمجسمة فإنها ضموا حقا وهو مثل قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) إلى باطل وهو أنه مستقر على العرش كاستقرار الملك على السرير فزعموا أنه تعالى جسم، وكالغلاة فإنهم ضموا حقا وهو كرامته عليه السلام وإخباره بالغيب إلى باطل وهو أن من كان كذلك فهو إله فزعموا أنه إله وكذلك غيرها من أصحاب الملل الفاسدة التي بذكرها يطول الكلام فصاروا بتلك العقائد من أولياء الشيطان في إضلال الناس ولو كانوا يرجعون إليه عليه السلام لخلصهم من تلك الشبهات ونجاهم من هذه الهلكات.
(إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: كيف أنتم إذا ألبستكم فتنة) أي أحاطت بكم المحنة والبلية الداعية إلى الضلال عن الحق وسلوك سبيل الباطل كفتن الخلفاء الثلاثة ومن تبعهم (يربو فيها الصغير) أي ينموا أو يرتفع وهو كناية عن امتداد زمانها أو يموت من فزع من ربا فلان إذا انتفخ من فزع (ويهرم فيها الكبير) لشدتها وقوتها وكثرة المشقة بها لاختلاطها وتراكم بعضها فوق بعض ومقاساة الخلق بسبب تبدد نظام أحوالهم (يجري الناس عليها) ويتلقونها بالقبول والإذعان (ويتخذونها سنة) أي قوانين كلية وطرقا شرعية ثم أشار إلى كمال جهلهم المركب بقوله: (فإذا غير منها شيء قيل قد غيرت السنة وقد أتى الناس منكرا) لزعمهم أن الحق منكر وأن المنكر الذي ابتدعوه حق فيردون على العالم الرباني ويعتقدون أنه ليس وراء ما ذهبوا إليه علم، ويمكن أن يكون قوله: «وقد أتى» كلامه عليه السلام لبيان أن ما جاؤوا به منكر في الشريعة ثم أشار إلى اشتداد تلك الفتنة في بعض الأعصار كعصر معاوية ويزيد عليهما العذاب الشديد وسائر خلفاء بني أمية وبني عباس وأضرابهم بقوله (ثم تشتد البلية وتسبى الذرية وتدقهم الفتنة كما تدق النار الحطب وكما تدق الرحى بثفالها) الدق الهشم والكسر وهو كناية عن الإفناء والإعدام والثفال بكسر الثاء المثلثة والفاء بعدها وقد تضم جلدة تبسط تحت رحى اليد ليقع عليه الثفل وهو بالضم