عمل) أراد باليوم مدة الحياة وبالغد ما بعد الموت، واليوم اسم «إن» و «عمل» قائم مقام الخبر استعمالا للمضاف إليه مقام المضاف أي يوم عمل وقيل: يحتمل أن يكون اسم «إن» ضمير الشأن واليوم جملة من مبتدأ وخبر هي خبرها وكذا «غدا حساب» ثم أشار إلى أصل الفتنة والفساد في الخلق بقوله: (إنما بدء وقوع الفتن من أهواء تتبع وأحكام تبتدع يخالف فيها حكم الله) وذلك لأن المقصود من بعثة الرسل ووضع الشرايع إنما هو نظام الخلق فكان كل هوى متبع وحكم مبتدع خارج عن حكم الله وحكم الله وحكم رسوله سببا لوقوع الفتنة وتبدد نظام الوجود في هذا العالم وذلك كأهواء المخالفين والبغاة والخوارج والغلاة وغيرهم، ثم أكد ذلك مع الإشارة إلى سبب اشتهار الفتنة وانتشارها بقوله: (يتولى فيها رجال رجالا) أي يتولى طائفة طائفة في الأهواء المتبعة والأحكام المبتدعة التي اتبعها وابتدعها أولا ضال في الشريعة على خلاف حكم الله ورسوله ويرجونها فتشتهر بين الخلق.
ثم أشار إلى أن أسباب تلك الأهواء الفاسدة والأحكام الباطلة امتزاج المقدمات الحقة بالباطلة وبين ذلك بشرطيتين متصلتين أحداهما قوله (إن الحق لو خلص) من مزج الباطل (لم يكن اختلاف) بين الناس ضرورة أن مقدمات الدليل التي استعملها أهل الباطل وترتيبها لو كانت حقا كانت النتيجة حقا فلا يتمكنون من العناد فيه والمخالفة له فوقوع الاختلاف دل على عدم الخلوص، واخراهما قوله: (ولو ان الباطل خلص) من مزج الحق (لم تخف) وجه بطلانه (على ذي حجى) الحجى بكسر الحاء المهملة وفتح الجيم العقل وذلك لأن مقدمات الشبهة إذا كانت كلها باطلة غير مشوبة بالحق أدرك العاقل الطالب للحق وجه بطلانها ولما خفي وجه البطلان علم عدم الخلوص وكان ذلك سبب الغلط واتباع الباطل لأن النتيجة تابعة لأخس المقدمتين ومن ثم قال المحقق الطوسي قد علم بالاستقراء أن المذاهب الباطلة كلها نشأت من مذهب أهل الحق إذ الباطل الصرف لا أصل له ولا حقيقة ولا يعتقده العاقل إلا إذا اقترن بشبه الحق ثم أشار إلى ما هو في حكم نتيجة هذين القياسين بقوله (لكنه يؤخذ من هذا ضغث) أي قبضة (ومن هذا ضغث فيمزجان فيجتمعان فيخللان معا) التخليل إدخال الشيء في خلال الشيء، وفي تاج اللغة:
تخليل پوشانيدن چيزى ولفظ الضغث هو في الأصل قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس مستعار والمقصود هو التصريح بلزوم الآراء الباطلة والأهواء المتبعة والأحكام المبتدعة لمزح الحق بالباطل وخلط قول الأنبياء بقول الأشقياء ولذلك قال: (فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه) فيزين لهم اتباع الآراء والأهواء والأحكام الخارجة عن حكم الله وكتابه وسنة نبيه بسبب إغوائهم عن تمييز الحق من الباطل فيما سلكوه من الشبهة (ونجا الذين سبقت لهم) في القضاء