الدقيق سمي ثفلا لأنه من الأقوات التي يكون لها ثفل بخلاف المايعات ثم سمي الحجر الأسفل من الرحى ثفالا والباء زائدة للمبالغة في التعدية والمعنى أنها تدقهم دق الرحى للثفال أو للحب، فقد شبه الفتنة تارة بالنار في الإفناء والإحراق وتارة بالرحى في الكسر والهدم والصدم وأشار بهذا إلى البلية الواردة في أعصارهم على عامة أهل الإسلام خصوصا على الشيعة وأهل العلم والتقوى والصالحين من هذه الأمة وكفاك شاهدا ما ثبت بالتواتر أنهم آذوا أهل الإيمان وقتلوا كثيرا منهم وسبوا ذراريهم ونهبوا أموالهم وقتلوا الحسين عليه السلام وأولاده وذريته وأصحابه وهتكوا حرمة الرسول وحرمة الإسلام وهدموا الكعبة وسبوا عليا عليه السلام ثمانين سنة إلى غير ذلك من المنكرات التي لا يحيط بها البيان.
ثم أشار إلى فساد قلوبهم وقبايح نفوسهم الأمارة بالسوء بقوله (ويتفقهون لغير الله ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة) فإن التفقه والتعلم والعمل ينبغي أن يكون للآخرة ونيل درجاتها والنجاة من عقوباتها وهم يجعلونها وسيلة للدنيا وتحصيل قنياتها (ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها) نظر عليه السلام إلى التحويل وعدمه فرجح الثاني لما في الأول من المفاسد العظيمة وهي رجوع الخلق عنه وخروجهم عليه مع عدم تحقق التحويل لإبقائهم بدع شيوخهم بحالها وما فعله عليه السلام محض الحكمة وفيه دلالة على جواز ارتكاب أقل القبيحين عند التعارض.
(أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام) أي برده (فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)) مقامه عليه السلام كان متصلا بجدار البيت عند الباب نقل في الجاهلية إلى الموضع المعروف الآن ثم رده رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الموضع الأول ثم رده الثاني إلى الموضع الثاني (ورددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها السلام) دل على أنه عليه السلام لم يرد فدك في خلافته لإفضائه إلى الفساد والتفرقة فلا يرد ما أورده بعض العامة من أن أخذ فدك لو لم يكن حقا لرده (عليه السلام) في خلافته (ورددت صاع رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما كان) الصاع الذي يكال به ويدور عليه أحكام المسلمين أربعة أمداد بالاتفاق وان اختلفوا في تفسير المد كما هو مذكور في الفروع وأما صاع النبي (صلى الله عليه وآله)، فقد روى الشيخ بطريقين عن سليمان بن حفص المروزي عن أبي الحسن عليه السلام والظاهر أنه الهادي عليه السلام وبطريق آخر عن سماعة أنه خمسة أمداد والأول ضعيف والثاني موثق ولو ثبت ذلك فالأمر مشكل لأن الظاهر أن الأحكام الصاعية مترتبة على صاعه (صلى الله عليه وآله) لا على صاع حدث بعده إلا أن يقال: أن الأئمة عليهم السلام جوزوا بناءها عليه والله أعلم (وأمضيت قطايع أقطعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ)