عن الميل إلى مثل ما هم فيه بقوله (فلا يستفزنك الشيطان) أي فلا يستخفنك شيطان الجن والإنس من مقامك في الإيمان ولا يخرجنك مما أنت فيه من الدين والإيقان بالوسوسة وتزيين أمر مقتضي للخسران وفي بعض النسخ «فلا يغرنك» ثم أشار إلى أن ما عده جملة الناس عزة بكثرة الأموال والأنصار فهو أمر اعتباري لا حقيقة له وإن العزة الحقيقية الثابتة الباقية هي أمر آخر بقوله (فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) يعني أن العزة والغلبة لله تعالى لكونه مبدأ لجميع الممكنات المحتاجين إليه في جميع الجهات ولمن تقرب إليه بالوسايل المشروعة على تفاوت الدرجات وأما المنافقون والجاهلون فلشدة قساوتهم وقوة جهالتهم ظنوا أن العزة هي حصول أسباب الدنيا ولذلك كل من كانت الدنيا عنده أوفر وأكثر كان عندهم أعز وأغر، ثم حثه على أمرين أحدهما أصل من أصول الإيمان والآخر موجب للثبات عليه بقوله (ألا تعلم أن من انتظر أمرنا) وهو الخلافة الظاهرة القاهرة في عهد الإمام المنتظر عليه السلام (وصبر على ما يرى من الأذى والخوف) من أعدائنا الطالبين لدمائنا (هو غدا في زمرتنا) الزمرة بالضم الفوج والجماعة ثم أشار إلى بعض علامات ظهور الصاحب عليه السلام بقوله (فإذا مات الحق وذهب أهله) المراد بالحق القوانين الشرعية وبموته اندراسه ونقصه وبذهاب أهله وهو العالم به أو كونه غير ملتفت إليه (ورأيت الجور قد شمل البلاد) منشأه طغيان القوة الشهوية في جلب المنافع الدنيوية وإعانة القوة الغضبية لها في تحصيلها ودفع الموانع منها ولو بالضرب والشتم والقتل ونحوها مع ضعف القوة العقلية وعجزها عن مقاومتهما لفقدها ملكة العلم والحكمة الزاجرة عن القبايح (ورأيت القرآن قد خلق) خلق الثوب ككرم ونصر وسمع بلى، وهو كناية عن هجره وترك تلاوته والعمل بأحكامه (وأحدث فيه ما ليس فيه ووجه على الأهواء) من غير نص صريح أو مستند صحيح كما فعله المبتدعة في مجمله ومتشابهه وغيرهما.
(ورأيت الدين قد انكفى كما ينكفي الإناء) أي بقي اسمه وضاع ما فيه من الأحكام وغيرها تقول كفأت الإناء أو أكفأته إذا كببته وقلبته لتفرغ ما فيه فانكفأ وفيه تشبيه للمعقول بالمحسوس لقصد الإيضاح (ورأيت أهل الباطل قد استعلوا على أهل الحق) لعل المراد بأهل الباطل الحكام الجائرون وبأهل الحق العلماء الراسخون وبالاستعلاء جريان أحكامهم عليهم أو عدم الطاعة لهم (ورأيت الشر ظاهرا لا ينهى عنه ويعذر أصحابه) إما لعدم الناهي واللائم لشمول الجهل للكل أو لوجوده مع ترك النهي واللوم لعدم اعتنائه بالدين ومخالفة رب العالمين.
وكل ذلك دليل واضح على ضعف الدين وتعاونهم على عدمه (ورأيت الفسق قد ظهر واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء) كناية عن اللواط والمساحقة، والفسق بالكسر الترك لأمر الله والعصيان والخروج عن طريق الحق أو الفجور وهو الزنا ونحوه والأخير أنسب لأن الظاهر أن