أسوء الناس حالا عند الولد ويفرح بأن يفترى عليهما، ورأيت النساء قد غلبن على الملك وغلبن على كل أمر، لا يؤتى إلا ما لهن فيه هوى، ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه ويدعو على والديه ويفرح بموتهما ورأيت الرجل إذا مر به يوم ولم يكسب فيه الذنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشيان حرام أو شرب مسكر كئيبا حزينا يحسب أن ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره، ورأيت السلطان يحتكر الطعام، ورأيت أموال ذوي القربى تقسم في الزور ويتقامر بها وتشرب بها الخمور، ورأيت الخمر يتداوى بها وتوصف للمريض ويستشفى بها، ورأيت الناس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك التدين به، ورأيت رياح المنافقين [وأهل النفاق] قائمة ورياح أهل الحق لا تحرك، ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر، ورأيت المساجد محتشية ممن لا يخاف الله، يجتمعون فيها للغيبة وأكل لحوم أهل الحق ويتواصفون فيها شراب المسكر. ورأيت السكران يصلي بالناس وهو لا يعقل ولا يشان بالسكر وإذا سكر أكرم واتقي وخيف وترك، لا يعاقب ويعذر بسكره، ورأيت من أكل أموال اليتامى يحمد بصلاحه، ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله، ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع ورأيت الميراث قد وضعته الولاة لأهل الفسوق والجرأة على الله، يأخذون منهم ويخلونهم وما يشتهون، ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى ولا يعمل القائل بما يأمر، ورأيت الصلاة قد استخف بأوقاتها، ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه الله ويعطى لطلب الناس، ورأيت الناس همهم بطونهم وفروجهم، لا يبالوا بما أكلوا وما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلة عليهم، ورأيت أعلام الحق قد درست، فكن على ذر واطلب إلى الله عزوجل النجاة واعلم أن الناس في سخط الله عزوجل وإنما يمهلهم لأمر يراد بهم فكن مترقبا واجتهد ليراك الله عزوجل في خلاف ما هم عليه فإن نزل بهم العذاب وكنت فيهم عجلت إلى رحمة الله وإن أخرت ابتلوا وكنت قد خرجت مما هم فيه من الجرأة على الله عزوجل واعلم أن الله لا يضيع أجر المحسنين وأن رحمة الله قريب من المحسنين.
* الشرح:
(حديث أبي عبد الله عليه السلام مع المنصور في موكبه) الموكب بفتح الميم وكسر الكاف جماعة ركاب يسيرون برفق من غير سرعة لإظهار السكينة والوقار وهم أيضا القوم الركوب للزينة والتنزه وقيل: الموكب ضرب من السير (فقال: إني سرت مع أبي جعفر) وهو الثاني من خلفاء بني عباس بعد أخيه السفاح ولقب بالدوانيقي لبخله وفي بعض النسخ «مع أبي جعفر المنصور (وهو على فرس وبين يديه خيل ومن خلفه خيل) أي جماعة فرسان أو أفراس والأول أولى والثاني إما محمول على الظاهر أو على حذف مضاف أي أصحاب خيل (وأنا على حمار إلى جانبه) لا لأنه