الحيرة ما لاق من معرفته بضمائرهم (1). وما سكن من عظمته وهيبة جلالته في أثناء صدورهم. ولم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها على فكرهم (2) منهم من هو في خلق الغمام الدلح (3) وفي عظم الجبال الشمخ وفي فترة الظلام الأبهم (4) ومنهم من خرقت أقدامهم تخوم الأرض السفلى. فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء (5). وتحتها ريح هفافة تحبسها على حيث انتهت من الحدود المتناهية. قد استفرغتهم أشغال عبادته (6) ووصلت حقائق الإيمان بينهم وبين معرفته. وقطعهم الايقان به إلى الوله إليه (7) ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غيره. قد ذاقوا حلاوة معرفته وشربوا بالكأس الروية من محبته (8) وتمكنت من سويداء قلوبهم (9) وشيجة خيفته (10) فحنوا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم.
____________________
(1) لاق لصق (2) تقترع من الاقتراع بمعنى ضرب القرعة. والرين بفتح الراء الدنس وما يطبع على القلب من حجب الجهالة (3) جمع دالح وهو الثقيل بالماء من السحاب (4) القترة هنا الخفاء والبطون. ومنها قالوا أخذه على فترة أي من حيث لا يدري. والأبهم بباء موحدة بعد الهمزة أصله من لا يعقل ولا يفهم، وصف به الليل وصفا للشئ بما ينشأ عنه، فإن الظلام الحالك يوقع في الحيرة ويأخذ بالفهم عن رشاده (5) مواضع ما خرقت أقدامهم (6) جعلتهم فارغين من الاشتغال بغيرها (7) شدة الشوق إليه (8) الروية التي تروي وتطفئ العطش (9) محل الروح الحيواني من مضغة القلب (10) الوشيجة أصلها عروق الشجرة أراد منها