جديدة، يستلها من قلبها، والطفل لا يحب أحدا في الدنيا قبل أمه.
ثم إنه يحب أباه، ولكن دون حبه لامه، وإن كان يحترمه أشد مما يحترمها.
أفليس من الجنابة على الفطرة أن يزاحم هذا الحب العظيم بين الوالدين والأولاد حب استمتاع الشهوة - فيزحمه ويفسده - وهو خير ما في هذه الحياة!!
بلى: ولأجل هذا كان تحريم نكاح الأمهات هو الأشد المقدم في الآية، ويليه تحريم البنات.
ولولا ما عهد في الانسان من الجناية على الفطرة والعبث بها والافساد فيها، لكان لسليم الفطرة أن يتعجب من تحريم الأمهات والبنات، لان فطرته تشعر أن النزوع إلى ذلك من قبيل المستحيلات.
وأما الاخوة والأخوات، فالصلة بينهما تشبه الصلة بين الوالدين والأولاد من حيث أنهم كأعضاء الجسم الواحد، يفان الأخ والأخت من أصل واحد يستويان في السنة إليه من غير تفاوت بينهما.
ثم إنهما ينشئان في حجر واحد، على طريقة واحدة في الغالب، وعاطفة الاخوة بينهما متكافئة، ليست أقوى في إحداهما منها في الأخرى، كقوة عاطفة الأمومة والأبوة على عاطفة البنوة.
فلهذه الأسباب يكون أنس أحدهما بالآخر أنس مساواة لا يضاهيه أنس لآخر.
إذ لا يوجد بين البشر صلة أخرى فيها هذا النوع من المساواة الكاملة، وعواطف الود والثقة المتبادلة.
ويحكى أن امرأة شفعت عند الحجاج في زوجها وابنها وأخيها، وكان يريد قتلهم، وفشفعها في واحد مبهم منهم، وأمرها أن تختار من يبقى، فاختارت أخاها، فسألها عن سبب ذلك فقالت:
" ان الأخ لاعوض عنه، وقد مات الوالدان، وأما الزوج والولد فيمكن الاعتياض عنهما بمثلهما ".
فأعجبه هذا الجواب وعفا عن الثلاثة. وقال: " لو اختارت الزوجة غير الأخ لما أبقيت لها أحدا ".
وجملة القول: إن صلة الاخوة صلة فطرية قوية، وأن الاخوة والأخوات