وبقي أن نقول: إنه يجوز الفرار أثناء الحرب إذا كان العدو يزيد على المثلين، فإن كان مثلين فما دونهما فإنه يحرم الفرار، يقول الله عز وجل:
" الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين " (1).
قال في المهذب: " إن زاد عددهم على مثلي عدد المسلمين، جاز الفرار.
لكن إن غلب على ظنهم أنهم لا يهلكون، فالأفضل الثبات. وإن ظنوا الهلاك، فوجهان:
(الأول) يلزم الانصراف، لقوله تعالى: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ".
(الثاني) فيستحب ولا يجب، لأنهم ان قتلوا فازوا بالشهادة.
وإن لم يزد عدد الكفار على مثلي عدد المسلمين، فإن لم يظنوا الهلاك لم يجز الفرار، وإن ظنوا فوجهان:
يجوز لقوله تعالى: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ".
ولا يجوز، وصححوه، لظاهر الآية.
وقال الحاكم: " إن ذلك يرجع إلى ظن المقاتل واجتهاده، فإن ظن المقاومة لم يحل الفرار، وإن ظن الهلاك جاز الفرار إلى فئة وإن بعدت، إذا لم يقصد الاقلاع عن الجهاد ".
وذهب ابن الماجشون ورواه عن مالك إلى: أن الضعف إنما يعتبر في القوة لا في العدد، وأنه يجوز أن يفر الواحد عن واحد إذا كان أعتق جوادا منه، وأجود سلاحا، وأشد قوة وهذا هو الأظهر.
الرحمة في الحرب إذا كان الاسلام أباح الحرب كضرورة من الضرورات، فإنه يجعلها مقدرة بقدرها، فلا يقتل إلا من يقاتل في المعركة، وأما من تجنب الحرب فلا يحل قتله أو التعرض له بحال.