فقد عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران عقدا، مع بقائهم في أماكنهم، وإقامتهم في ديارهم، دون أن يكون معهم أحد من لمسلمين.
وقد تضمن هذا العهد: حمايتهم، والحفاظ على حريتهم الشخصية، والدينية، وإقامة العدل بينهم، والانتصاف من الظالم.
وقام الخلفاء من بعده على تنفيذه حتى عهد هارون الرشيد، فأراد أن ينقضه، فمنعه محمد بن الحسن صاحب الامام أبي حنيفة، وهذا هو نص العقد:
" لنجران وحاشيتها جوار الله، وذمة محمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، لا يغير أسقف من أسقفيته، أولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته، وليس عليه دنية، أي لا يعامل معاملة الضعيف، ولا دم جاهلية، ولا يخسرون ولا يعسرون، ولا يطأ أرضهم جيش، ومن سأل منهم حقا فبينهم النصف، غير ظالمين ولا مظلومين، ومن أكل ربا (1) من ذي قبل، أي في المستقبل، فذمتي منه بريئة، ولا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر، وعلى ما في هذا الكتاب جوار الله، وذمة محمد النبي الأمي رسول الله أبدا، حتى يأتي الله بأمره " فإذا أراد أحد الرؤساء استغلال المعاهدة لحسابه، وظلم شعبه، منع من ذلك.
جاء في المبسوط للسرخسي: " وإذا طلب ملك الذمة أن يترك يحكم في أهل مملكته بما شاء، من: قتل، أو صلب، أو غيره مما لا يصح في دار الاسلام، لم يجب إلى ذلك، لان التقرير على الظلم مع إمكان المنع حرام، ولان الذمي ممن يلتزم أحكام الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات، فشرطه بخلاف موجب عقد الذمة باطل، فإن أعطى الصلح والذمة على هذا بطل من شروطه مالا يصح في الاسلام، لقوله صلى الله عليه وسلم:
" كل شرط ليس في كتاب الله باطل ".