بسط رأي القائلين بتنوع العقوبة إذا اختلفت الجريمة:
قلنا إن جمهور الفقهاء يرى أن العقوبة تتنوع حسب نوع الجريمة، وإن ذلك ينقسم إلى أقسام:
1 - أن تكون الحرابة مقصورة على إخافة المارة وقطع الطريق، ولم يرتكب المحاربون شيئا وراء ذلك، فهؤلاء ينفون من الأرض، والنفي من الأرض معناه إخراج المحاربين من البلد الذي أفسدوا فيه إلى غيره من بلاد الاسلام. إلا إذا كانوا كفارا فيجوز إخراجهم إلى بلاد الكفر. وحكمة ذلك أن يذوق هؤلاء وبال أمرهم بالابتعاد والنفي، وأن تطهر المنطقة التي عاثوا فيها فسادا من شرورهم ومفاسدهم، وأن ينسى الناس ما كان منهم من أثر سئ وذكرى أليمة. وروي عن مالك أن النفي معناه الاخراج إلى بلد آخر، ليسجنوا فيه حتى تظهر توبتهم، واختاره ابن جرير.
ويرى الأحناف أن النفي هو السجن ويبقون في السجن حتى يظهر صلاحهم لان السجن خروج من سعة الدنيا إلى ضيقتها، فصار من سجن كأنه نفي من الأرض إلا من موضع سجنه، واحتجوا بقول بعض أهل السجون في ذلك:
خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها فلسنا من الأموات فيها ولا الاحيا إذا جاءنا السجان يوما لحاجة عجبنا وقلنا: جاء هذا من الدنيا!
2 - أن تكون الحرابة بأخذ المال من غير قتل، وعقوبة ذلك قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، لأن هذه الجناية زادت على السرقة بالحرابة، وما يقطع منهما يحسم في الحال، بكي العضو المقطوع بالنار أو بالزيت المغلي أو بأية طريقة أخرى، حتى لا يستنزف دمه فيموت. وإنما كان القطع من خلاف حتى لا تفوت جنس المنفعة فتبقى له يد يسرى ورجل يمنى ينتفع بهما، فإن عاد هذا المقطوع إلى قطع الطريق مرة أخرى قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى، وقد اشترط جمهور الفقهاء أن يكون مبلغ المال المسروق نصابا، وأن يكون من حرز، لان السرقة جريمة لها عقوبة مقررة، فإذا وقعت الجريمة تعبها جزاؤها، سواء أكان مرتكبها فردا أم جماعة. فإن لم يبلغ المال نصابا ولم يكن