" قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ". (1) إن ذلك ليس للتخيير بين المذكورين، بل لبيان الحكم لكل في نفسه، لاختلاف سبب الوجوب. وتأويله: إما أن تعذب من ظلم، أو تتخذ الحسن فيمن آمن وعمل صالحا.
ألا ترى إلى قوله تعالى:
" قال أما من ظلم فسوف نعذبه، ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا - وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى ". (2) وقطع الطريق متنوع في نفسه وإن كان متحدا من حيث الأصل، فقد يكون بأخذ المال وحده، وقد يكون بالقتل لا غير، وقد يكون بالجمع بين الامرين، وقد يكون بالتخويف لا غير، فكان سبب الوجوب مختلفا فلا يحمل على التخيير، بل على بيان الحكم لكل نوع، أو يحتمل هذا ويحتمل ما ذكر فلا يكون حجة مع الاحتمال. وإذا لم يمكن صرف الآية الشريفة إلى ظاهر التخيير في مطلق المحارب. فإما أن يحمل على الترتيب ويضمر في كل حكم مذكور نوع من أنواع قطع الطريق، كأنه سبحانه وتعالى قال: " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا " إن قتلوا، أو يصلبوا، إن أخذوا المال وقتلوا، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، إن أخذوا المال لا غير، أو ينفوا من الأرض، إن أخافوا، هكذا ذكر جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع أبو بردة الأسلمي بأصحابه الطريق على أناس جاؤوا يريدون الاسلام. فقد قال عليه السلام:
" إن من قتل قتل، ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، ومن قتل وأخذ المال صلب، ومن جاء مسلما هدم الاسلام ما كان قبله من الشرك ".