وأما قبور الموتى أنفسهم فلا تستحق عندهم ذلك التعديل! بل إن بعض تلك الحكومات لتسعى فيما علمنا - إلى جعل القبور خارج البلدة، والمنع من الدفن في القبور القديمة - وهذه مخالفة أخرى في نظري، لأنها تفوت على المسلمين سنة زيارة القبور، لأنه ليس من السهل على عامة الناس أن يقطع المسافات الطويلة حتى يتمكن من الوصول إليها، ويقوم بزيارتها والدعاء لها!
والحامل على هذه المخالفات - فيما أعتقد - إنما هو التقليد الأعمى لأوروبا المادية الكافرة، التي تريد أن تقضي على كل مظهر من مظاهر الايمان بالآخرة، وكل ما يذكر بها، وليس هو مراعاة القواعد الصحية كما يزعمون، ولو كان ذلك صحيحا لبادروا إلى محاربة الأسباب التي لا يشك عاقل في ضررها مثل بيع الخمور وشربها، والفسق والفجور على اختلاف اشكاله وأسمائه، فعدم اهتمامهم بالقضاء على هذه المفاسد الظاهرة، وسعيهم إلى إزالة كل ما يذكر بالآخرة وإبعادها عن أعينهم أكبر دليل على أن القصد خلاف ما يزعمون ويعلنون، وما تكنه صدورهم أكبر.
2 - أنه لا حرمة لعظام غير المؤمنين، لإضافة العظم إلى المؤمن في قوله:
(عظم المؤمن)، فأفاد أن عظم الكافر ليس كذلك، وقد أشار إلى هذا المعنى الحافظ في (الفتح) بقوله:
(يستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته) (1) ومن ذلك يعرف الجواب عن السؤال الذي يتردد على ألسنة كثير من الطلاب في كليات الطب، وهو: هل يجوز كسر العظام لفحصها وإجراء التحريات الطبية فيها؟
والجواب: لا يجوز ذلك في عظام المؤمن، ويجوز في غيرها، ويؤيده ما يأتي في المسألة التالية:
129 - ويجوز نبش قبور الكفار، لأنه لا حرمة لها كما دل عليه مفهوم الحديث السابق، ويشهد له حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: