لزوم اعتقاد حقيته وعملا بالبدن حتى يكفر جاحده ويفسق تاركه بلا عذر. والواجب ما ثبت بدليل فيه شبهة كصدقة الفطر والأضحية، وحكمه اللزوم عملا كالفرض لا علما على اليقين للشبهة، حتى لا يكفر جاحده ويفسق تاركه بلا تأويل كما هو مبسوط في كتب الأصول.
ثم إن الواجب على مراتب كما قال القدوري بعضها آكد من بعض. فوجوب سجدة التلاوة آكد من وجوب صدقة الفطر، ووجوبها آكد من وجوب الأضحية اه. وذلك باعتبار تفاوت الأدلة في القوة. وقد ذكر في التلويح أن استعمال الفرض فيما ثبت بظني، والواجب فيما ثبت بقطعي شائع مستفيض كقولهم الوتر فرض ونحو ذلك ويسمى فرضا عمليا، وكقولهم الزكاة واجبة ونحوه، فلفظ الواجب يقع على ما هو فرض علما وعملا كصلاة الفجر، وعلى ظني هو في قوة الفرض في العمل كالوتر حتى يمنع تذكره صحة الفجر كتذكر العشاء، وعلى طني هو دون الفرض في العمل وفوق السنة كتعيين الفاتحة حتى لا تفسد الصلاة بتركها بل تجب سجدة السهو اه. وتمام تحقيق ذلك بما لم يوجد مجموعة في كتاب مذكور في حاشيتنا على المنار بتوفيق الملك الوهاب.
إذا علمت ذلك ظهر لك أن كلا من الفرض والواجب اشتراكا في لزوم العمل وإن تفاوتت مراتب اللزوم كما تفاوتت مراتب الوجوب.
واختلفا في لزوم الاعتقاد على سبيل الفرضية، ولهذا يسمى الواجب فرضا عملا فقط، وقد علمت أن كلا منهما يطلق على الآخر. فقول الشارح عملا لا اعتقادا احترازا عن الفرض القطعي، ولهذا قال في المنح: أي فلا يكفر جاحده، فأفاد أن المراد به الواجب الظني كالوتر ونحوه، لا القطعي الذي هو فرض علما وعملا فإن منكره كافر كما مر، بخلاف منكر الواجب الظني: أي منكر وجوبه فإنه لا يكفر للشبهة فيه. أما إذا أنكر أصل مشروعيته المجمع عليها بين الأمة فإنه يكفر، فقد صرح المصنف في باب الوتر والنوافل أن من أنكر سنة الفجر يخشى عليه الكفر. ثم رأيته في القنية في باب ما يكفر به نقل عن الحلواني: لو أنكر أصل الوتر وأصل الأضحية كفر، ثم نقل عن الزندوستي أنه لو أنكر الفرضية لا يكفر، ثم قال: ولا تنافي بينهما، لان الأصل مجمع عليه والفرضية والوجوب من مختلف فيهما اه. فافهم. قوله: (بقدرة) متعلق بتجب. قوله: (ممكنة) بصيغة اسم الفاعل من التمكين ط.
قوله: (هي ما يجب) الأوضح أن يقول: والواجب بهذه القدرة ما يجب إلخ ط. بيان ذلك أن القدرة التي يتمكن بها العبد من أداء ما لزمه نوعان: مطلق، وهو أدنى ما يتمكن به العبد من أداء ما لزمه، وهو شرط في وجوب أداء كل مأمور به. وكامل وهو القدرة الميسرة للأداء بعد التمكن، ودوامها شرط لدوام الواجب الشاق على النفس كأكثر الواجبات المالية، حتى بطلت الزكاة والعشر والخراج بهلاك المال بعد التمكن من الأداء، لان القدرة الميسرة وهي وصف النماء قد فاتت بالهلاك فيفوت دوام الوجوب لفوات شرطه، بخلاف الأولى فليس بقاؤها شرطا لبقاء الواجب، حتى لا يسقط الحج وصدقة الفطر بهلاك المال لوجوبهما بقدرة ممكنة وهي القدرة على الزاد والراحلة وملك النصاب، ولا يقع اليسر فيهما إلا بخدم ومراكب وأعوان في الأول وملك أموال كثيرة في الثاني وليس بشرط بالاجماع. قوله: (بمجرد التمكن من الفعل) أي بالتمكن من الفعل المجرد عن اشتراط دوام القدرة ط. قوله: (لأنها شرط محض) أي ليس فيه معنى العلة، والشرط يكفي مطلق