الظهار وهو ان يسكت عن طلاقها عقيب الظهار مقدار ما يمكنه طلاقها فيه فإذا أمسكها على النكاح عقيب الظهار مقدار ما يمكنه طلاقها فيه فلم يطلقها فقد وجبت عليه الكفارة على وجه لا يحتمل السقوط بعد ذلك سواء غابت أو ماتت وإذا غاب فسواء طلقها أو لم يطلقها راجعها أو لم يراجعها ولو طلقها عقيب الظهار بلا فصل يبطل الظهار فلا تجب الكفارة لعدم امساك المرأة عقيب الظهار وقال أصحابنا العود هو العزم على وطئها عزما مؤكدا حتى لو عزم ثم بدا له في أن لا يطأها لا كفارة عليه لعدم العزم المؤكد لا أنه وجبت الكفارة بنفس العزم ثم سقطت كما قال بعضهم لان الكفارة بعد سقوطها لا تعود الا بسبب جديد وجه قول أصحاب الظواهر التمسك بظاهر لفظة العود لان العود في القول عبارة عن تكراره قال الله تعالى ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه فكان معنى قوله ثم يعودون لما قالوا أي يرجعون إلى القول الأول فيكررونه وجه قول الشافعي أن قوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل يقتضى وجوب الكفارة بعد العود وذلك فيما قلنا لا فيما قلتم لان عندكم لا تجب الكفارة وإنما يحرم الوطئ إلى أن يؤدى الكفارة فترتفع الحرمة وهذا خلاف النص ولنا أن قول القائل قال فلان كذا ثم عاد قال في اللغة يحتمل أن يكون معناه عاد إلى ما قال وفيما قال أي كرره ويحتمل أن يكون معناه عاد لنقض ما قال فإنه حكى أن اعرابيا تكلم بين يدي الأصمعي بأنه كان يبنى بناء ثم يعود له فقال له الأصمعي ما أردت بقولك أعود له فقال أنقضه ولا يمكن حمله على الأول وهو التكرار لان القول لا يحتمل التكرار لان التكرار إعادة عين الأول ولا يتصور ذلك في الاعراض لكونها مستحيلة البقاء فلا يتصور اعادتها وكذا النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أويسا بالكفارة لم يسأله أنه هل كرر الظهار أم لا ولو كان ذلك شرط لسأله إذ الموضع موضع الاشكال وكذا الظهار الذي كان متعارفا بين أهل الجاهلية لم يكن فيه تكرار القول وإذا تعذر حمله على الوجه الأول يحمل على الثاني وهو العود لنقض ما قالوا وفسخه فكان معناه ثم يرجعون عما قالوا وذلك بالعزم على الوطئ لان ما قاله المظاهر هو تحريم الوطئ فكان العود لنقضه وفسخ استباحة الوطئ وبهذا تبين فساد تأويل الشافعي العود بامساك المرأة واستبقاء النكاح لان امساك المرأة لا يعرف عودا في اللغة ولا امساك في شئ من الأشياء يتكلم فيه بالعود ولان الظاهر ليس يرفع النكاح حتى يكون العود لما قال استبقاء للنكاح فبطل تأويل العود بالامساك على النكاح والدليل على بطلان هذا التأويل ان الله تعالى قال ثم يعودون لما قالوا وثم للتراخي فمن جعل العود عبارة عن استبقاء النكاح وامساك المرأة عليه فقد جعله عائدا عقيب القول بلا تراخى وهذا خلاف النص أما قوله إن النص يقتضى وجوب الكفارة وعندكم لا تجب الكفارة فليس كذلك بل عندنا تجب الكفارة إذا عزم على الوطئ كأنه قال تعالى إذا عزمت على الوطئ فكفر قبله كما قال سبحانه وتعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وقوله سبحانه إذا ناجيتم الرسول فقدموا ونحو ذلك واختلف أيضا في سبب وجوب هذه الكفارة قال بعضهم انها تجب بالظهار والعود جميعا لان الله تعالى علقها بهما بقوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة وقال بعضهم سبب الوجوب هو الظهار والعود شرط لان الظهار ذنب ألا ترى أن الله تعالى جعله منكرا من القول وزورا والحاجة إلى رفع الذنب والزجر عنه في المستقبل ثابتة فتجب الكفارة لأنها رافعة للذنب وزاجرة عنه والدليل عليه أنه تضاف الكفارة إلى الظهار لا إلى العود يقال كفارة الظهار والأصل أن الأحكام تضاف إلى أسبابها لا إلى شروطها وقال بعضهم سبب الوجوب هو العود والظهار شرط لان الكفارة عبادة والظهار محظور محض فلا يصلح سببا لوجوب العبادة وقال بعضهم كل واحد منهما شرط وسبب الوجوب أمر ثالث هو كون الكفارة طريقا متعينا لايفاء الواجب وكونه قادرا على الايفاء لان ايفاء حقها في الوطئ واجب ويجب عليه في الحكم إن كانت بكرا أو ثيبا ولم يطأها مرة وإن كانت ثيبا وقد وطئها مرة لا يجب فيما بينه وبين الله تعالى اتصال ذلك أيضا لايفاء حقها وعند بعض أصحابنا يجب في الحكم أيضا حتى يجبر عليه ولا يمكنه ايفاء الواجب الا برفع الحرمة ولا ترتفع الحرمة الا بالكفارة فتلزمه الكفارة ضرورة ايفاء
(٢٣٦)