الهواء عند دخوله في منافذ يصنعونها ومنه أخذت ذوات الشعب الثمانية على ما رأيته في الاستدلال والاسرار اليونانية وأكثر ألحان الصين عليه إلى الآن، وأما الهند فقد لحنوا على طرق الأواني المجوفة وغايروها بالماء على أنماط مختلفة والروم بالنحاس والخشب وعلى ذلك لحنت الأناجيل في الكنائس واستمر هذا الامر حتى جاء هذا الرجل فاستنبط من هذه المواد ونحوها نسبا قارب بها الطبائع والحركات الفلكية واخترع العود المعروف بالسنج وجعل أو تارها على أوزان تفريع أورطا من القلب إلى الأصابع واختصر ذوات الشعب حتى ضرب بها وحده ثم غير الناس بعده أنماطا مختلفة ليس هذا موضع بسطه وقد فصله الشيخ في الأصل، والذي يخصنا هنا أحكام الأصول التي عليها المدار وكيف دل النبض على أحوال البدن بواسطتها. اعلم أن الملاذ التي عليها مدار الوجود أربعة أفضلها المأكل لعدم قيام البدن بدونه، ويليه السماع لتعلقه بالنفس وهى أشرف أجزاء البنية، ويليه النكاح لتعلقه بإيجاد النوع، ثم الملبس لحفظ البدن قال وليس التبسط فيه من مقاصد العقلاء لأنه من حيث هو مقصود به الوقاية والستر. وأما النكاح والمأكل فكلاهما من تعلق البهيمية أصالة فما زاد عن توليد النوع وإقامة الجسم منهما بطر. وأما السماع فليستكثر منه من شاء ما شاء لأنه أقل الأربعة حاجة إلى مزايلة خارجة بل كلما وافق الدعة والسكون كان أدخل في المزاج ثم لا يختلف بالنسبة إلى النفس من حيث الآلات اختلافا يعتد به وإنما الاختلاف من حيث اللحون والأغاني، فإن كانت في ذكر الشجاعة والحروب ناسب أهل طالع المريخ أو الغضب كانت أكثر حظا منها الحيوانية أو في العشق ومحاسن الاغزال ولطف الشمائل ومدح أهل العلوم والآداب ناسب أهل الزهرة وعطارد أو في الديانات والزهد فالمشترى أو في الكتابة والحساب وتدبير الممالك فالقمر، أو في السلطنة وعلو الهمة فالشمس وأكثر النفوس حظا من هذه الأقسام النفس الناطقة ودونها العاقلة والعاملة أو تعلقت بالمآكل والمنا؟؟ ح والتطفل ونحو ذلك فأهل حضيض السفليات وأولى النفوس بها الطبيعية، أو بذكر الرياض والغراس والسياحة واستنباط العلوم الدقيقة وطول الفكر فأهل زحل. وعلى هذا يجب على صاحب هذه الصناعة إذا أراد بها بسط قوم أو معرفة مرض أو دفع تشاجر أو دفع هم أن يتحرى المناسب في مجلسه فان عجز لكثرة الجمع ألف من ذلك نسبا صالحة فان عجز قصد مناسبة الرئيس الحاضر وطالع الوقت فإنه يبلغ الغرض. ومتى وقع السماع ولم يصب صاحبه غرض الطالب فآفاته التي منعت إما من حيث الآلة أو اللحن أو الضرب أو الطالع أو شغل قلب السامع بمهم فليعدل ذلك أولا ثم الصوت ثم الهواء الممتزج بين قارع ومقروع إن تجوفا كثرا وصلبا يبس أو اختلف الطريق فسد وأصح الألحان تنزيل ذلك الصوت على النسب المخصوصة والاصغاء لذلك.
فإذا عرفت هذا فاعلم أن فواصل الألحان تكون بالحركة والانتقال ويقابل هذه جنس الحركة في النبض وقد عرفت أنها سريعة أو بطيئة. ولا شك أن الايقاع والألحان إذا دخلا في السمع أوجب سريان الهواء عنهما حركة القلب وهى توجب تغير النبض لذلك تغيرا يفصح عما خبأته الطبيعة خصوصا في نحو الجنون والعشق ثم الصوت الكائن حينئذ إما عظيم أو جوهر أو حاد وأضدادها وهذا كجنس المقدار وأقسامه وعليه تتفرع الانباض وزاد بعضهم السرعة في الصوت والصحيح أنها من الحركة والحدة والغلظ كالصلابة واللين كما مر فيظهر كل بالإضافة. ولما كان بالضرورة بين كل حركتين سكون لاستحالة اتصال الحركة كما مر وجب انقسام الأصوات كما في المقدار إلى منفصلة يقع السكون بين نقراتها وهى إما حادة وعليها سرعة الضرب الواقع في الحميات الحارة والعكس العكس