فهذا أمر بما هو حاصل، ولا يمكن التخلف عنه. فعلى هذا لا بد من أحد أمرين: إما اختيار كونه أمرا إرشاديا إلى أنه لا بد من الوفاء، لأنه لا يمكن غير ذلك، كما في النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه، فإنه ليس نهيا مولويا، بل هو نهي يورث عجز المكلف عن الاتيان بالصلاة معه، وهو معنى ما نعيته عنها، وإما اختيار أن الشرع أقدر المكلفين على تكليفه، فجعل العقود جائزة، ثم أمرهم بالوفاء بذلك، وهذا تارة يكون مستفادا من لازم الخطاب وحكم العقل، وأخرى من دعوى الكناية، وأنها تكون إرشادا إلى الجواز، وحيث لا يعقل كونه إرشادا إليه مع نهيه عنه وأمره بالوفاء مولويا، للزوم الجمع بين الارشاد والمولوية والمجاز والكناية، وهذا - ولو أمكن تصويره - غير مناسب حمل الكلام عليه، وتكون الآية عليه من اللغز والأحجية، كما لا يخفى، يتعين الحمل الأول، لما أن دعوى أن العقل يستكشف منه جواز العقد في نظر الشرع - فيكون على هذا هذه الكريمة من أدلة جواز العقود وإن كان يجب الوفاء بالعقد - ممكنة، إلا أن الالتزام بذلك غير صحيح، للزوم جواز الأكل بعد الفسخ، مع عدم إمكان الالتزام به قطعا.
فبالجملة: لو سلمنا مساعدة العرف بدوا على مثل ذلك، وتكون الآية ناظرة إلى دعوى جواز العقود، أو كانت هذه الدعوى مسبوقة بها وإن لم تصل إلينا، غير ملتزم به، لما يلزم من إنكار الحكم الوضعي رأسا في المعاملات، وأنه بعد العقد - سواء كان بالصيغة أو بالمعاطاة - يجوز