وقال هانئ بن ثبيت: خرج غلام من آل الحسين، وهو ممسك بعود - أي عود قصب - من تلك الأبنية، وعليه إزار وقميص وهو مذعور يلتفت يمينا وشمالا. فكأني أنظر إلى درتين في أذنييه، تذبذبان كلما التفت. إذ أقبل رجل يركض فرسه. حتى إذا دنا من الغلام، مال عن فرسه ثم أخذ الغلام فقطعه بالسيف. قال هشام السكوني: هانئ بن ثبيت هو الذي قتل الغلام، خاف أن يعاب ذلك عليه فكنى عن نفسه (1).
ومكث الحسين نهارا طويلا وحده لا يأتيه أحد، حتى آتاه رجل من كنده يقال له مالك بن النسير. أتاه فضربه على رأسه بالسيف، وعليه برنس له فقطع البرنس، وأصاب السيف رأسه فأدمى رأسه، فامتلأ البرنس دما. فقال له الحسين: لا أكلت بها ولا شربت، حشرك الله مع الظالمين، وألقى ذلك البرنس، ثم دعا بقلنسوة فلبسها واعتم. وقد أعيا. وجاء الكندي الذي ضربه حتى أخذ البرنس (2).
وأتى الحسين بصبي له فأجلسه في حجره، ثم جعل يقبله ويودعه. فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبح ذلك الغلام. فتلقى الحسين دمه في يده. وألقاه نحو السماء وقال: رب إن تك حبست عنا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين (3). وأحاطوا بالحسين، وأقبل إلى الحسين غلام من أهله، فأخذته أخته زينب ابنة علي لتحبسه. فقال لها الحسين:
أحبسيه، فأبى الغلام، وجاء يشتد إلى الحسين فقام إلى جنبه، فأهوى بحر بن كعب إلى الحسين بالسيف. فقال الغلام: أتقتل عمي، فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده فأطنها سوى الجلدة، فإذا يده معلقة. فنادى الغلام: يا أمتاه، فأخذه الحسين فضمه إلى صدره، وقال: يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين، برسول الله صلى الله عليه