ويعمل من أجله. وهذا قد حدث. وبما أنه ليس وحده الذي يقاتل في عالم القتن من أجل الحكم، فإن من يريد أن ينتزع منه هذا الحكم فسيقاتله. وفي جميع الأحوال ستكون مكة أرض الصراع، ومكة حرمها الله، لذا فالحسين تعامل مع الحدث من هذا الباب. فهو لا يريد أن يدخل في صراع مع ابن الزبير أو غيره داخل الحرم، لأن للحرم عنده مكانة وقداسة، ولأنه يعرف طريقة جيدا. اختار الذهاب إلى الكوفة فهناك أو على طريقها يواجه أصول البغي والإرهاب والفتن التي اجتمعت كلها في سلة واحدة. فهناك تكون الحركة لها معنى. أما في مكة ما أدرانا ماذا كان سيحدث لو واجه الحسين خصومه فيها. ولذا قال الحسين لابن الزبير: والله لأن أقتل خارجا منها - أي مكة - بشبر أحب إلي من أن أقتل داخلا منها بشبر (1).
وبعد أن عزم الحسين على الخروج إلى الكوفة، أشفق عليه الكثير من الناس، لأنهم كانوا يعلمون نتيجة هذا الخروج، وعندما كلموه في ذلك قال:
إني رأيت رؤيا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرت فيها بأمر. وأنا ماض له عله كان أولى. فقيل له: فما تلك الرؤيا؟ قال: ما حدثت أحدا بها وما أنا محدث بها حتى ألقى ربي (2). وروي أنه قال لابن الزبير، وأيم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام، لاستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم، ووالله ليعتدن علي كما اعتدت اليهود في السبت (3). وإني ماض في أمر رسول الله حيث أمرني. وإنا لله وإنا إليه راجعون (4). ثم قال عليه السلام: والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي، فإذا فعلوا، سلط الله عليهم من يذلهم، حتى يكونوا أذل من فرم الأمة (5).