أهدافها التي ما هي إلا سراب. ويساعدهم في ذلك مخزونهم الفطري الذي هو حجة بذاته، وما حفر في دائرة ذهنهم من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يختاروا لأنفسهم الدائرة التي لا ترى عندها زخرفا أو بريقا، وإنما أخبار بحياة كريمة من ورائها موت وبعث وحساب، يترتب عليه أما جنة وإما نار...
لقد كانت الساحة تعج بأعلام الزينة والإغواء وعلى طرقها تسير قوافل الاحتناك، وكانت هناك حجة من الله على هذا الأعلام وهذه القوافل، حتى لا تكون لهم على الله حجة يوم القيامة. وحجة الله ظاهرة ولا تفرض نفسها على أحد، وإنما تأخذ الحجة بالأسباب في مخاطبة الناس كي يساعدهم ذلك في الالتفاف حول طوق النجاة.. وشاء الله أن يكون الحجة في هذه الساحة مقتولا، وشاء الله أن يكون الناس على علم بأنه مقتول حتما، وشاء سبحانه أن يكون في الخندق المقابل للحجة أهل دنيا معهم الأعلام التي يزينها البريق، وهنا يكون الابتلاء - فمن سيقف في ساحة الدماء؟ ومن سيقف في ساحة الدينار والدرهم؟
إن الجيل الأول في القرن الأول كان في مفترق طرق. لأن الحجة في سنن الوجود يحب أن يهرع إليه الناس ما دام فيه من الله برهان. لأن الناس مطالبون بحركة لينظر الله كيف يعملون، قال تعالى: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " (1). فالخطوة الأولى منهم، فإذا جاهدوا فيه عند المقدمة، ترتب على ذلك عطاء الله إن كانوا صادقين. وقال تعالى: " ولينصرن الله من ينصره " (2)، وقال: " إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى " (3)، لقد آمنوا أولا فزادهم الله هدى، فإذا هرع الناس إلى الحجة، سلك بهم طرق الدنيا عن طريق الدين.
فالدين طريقة خاصة في الحياة تؤمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي، والحياة الدائمة الحقيقية. والسعادة الحقيقية يصل إليها الإنسان. أو يعمل في الوصول إليها. عندما يكون مؤمنا بالله وكافرا بالطاغوت.