ومعاوية كان قد تصالح مع الحسن رضي الله عنه بشروط، ولكنه مزق صحيفة الشروط بعد أن علم أن الموقف العسكري في صالحه، ونظرا لأن تركيبته النفسية لا تقوى على الوفاء بالشروط. وكان من ضمن هذه الشروط رأي يكون للحسن الأمر من بعده، وكان الحسن يريد من وراء هذا أن تتذوق الأمة نظام معاوية الذي لن يكون بحال نظاما يحمل روح الإسلام وأسمى معانيه. فيكون هذا دعوة للفظه جماهيريا، أو دعوة للالتفات حول الحسن فيما بعد. وهذا كله من باب الأخذ بالأسباب، وفقا لحركة الدعوة وحركة الناس.
ولم يكن معاوية يفكر بعيدا عن هذا التصور الذي يسير عليه الحسن، لذا بادر من أجل تصفية الحسن عليه السلام. روي أن جعدة بنت الأشعث بن قيس امرأة الحسن سقته السم، وقد كان معاوية دس إليها: إنك إن احتلت في قتل الحسن، وجهت إليك بمائة ألف درهم، وزوجتك من يزيد، فكان ذلك الذي بعثها على سمه. فلما مات، وفى لها معاوية بالمال، وأرسل إليها: إنا نحب حباة (1) يزيد، ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه (2).
وروي أن الحسن رضي الله عنه قام فدخل المخرج ثم خرج فقال: لقد لفظت طائفة من كبدي، أقلبها بهذا العود، ولقد سقيت السم مرارا، وما سقيت مرة هي أشر من هذه. ثم قال لرجل دخل عليه: سلني قبل أن لا تسألني فقال:
ما أسألك شيئا يعافيك الله (3). وروي أن الطبيب قال عندما جاؤوا به: هذا رجل قطع السم أمعاءه (4).
وروى أبو الفرج الأصفهاني: أن الحسن أرسل إلى عائشة أن تأذن له أن يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: نعم. فلما سمعت بنو أمية بذلك استلاموا في السلاح. وتنادوا هم وبنو هاشم في القتال. فبلغ ذلك