ثم أهديتموه إلى قتيلا، فأهلا بها من هدية، غير قالية ولا مقلية (1).
إن بني أمية سجلوا السطور الأولى في قانون الاضطهاد الذي يحمل غلاف الدين، فمن هنا كانت خطورتهم. ولأجل ذلك حذرت الدعوة منهم، ولقد ميزهم الله بعلامات على امتداد تاريخهم في الجاهلية حتى لا تجهلهم قريش.
فبينما كان لبني عبد شمس أنهار كان لبني هاشم أنهار أخرى، وجاءت الدعوة الخاتمة على هذا الأساس من المعرفة، جاءت الدعوة لتنهي الأحقاد وتعلن: لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وتحذر من أصحاب مستنقعات الحقد لأنهم لو بلغوا أربعون رجلا على آرائك السلطة فسيكون قانونهم: السواد بستان لقريش، وأن أبا سفيان لو ولد الناس فلن يلد إلا حازما.
إن الدعوة أرشدت الجيل الأول إلى الطريق الذي إذا أخذوا به فلن يضلوا أبدا. وقتل حجر، وقطع رأس عمرو بن الحمق، ومن قبلهما عمار بن ياسر، وزيد بن صوحان، وغيرهم ما وقع إلا على طريق ينتهي بتمزيق الأمة.
ومن فضل الله تعالى ورحمته، أنه غرس على امتداد طريق الأمة الخاتمة مبشرات وعلامات، تنير الطريق قبل وقوع الحدث كي يحذر الناس. فعمار كان علامة لأحداث محددة، وأبو ذر كان علامة لوقت محدد، وحجر بن عدي وأصحابه علامات إرشادية لها مهمة ما، وعند ثقافة ما، في زمن ما. ومعنى أن جبريل عليه السلام يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عمارا تقتله الفئة الباغية، وأن الله يغضب لقتل أهل عذراء، معنى هذا أن من أراد طريق العصمة من الفتن فلا يقف ضد المبشرات والعلامات، بل يجب عليه أن يدور معهم ويسلك طريقهم. وهذه العلامات باختصار شديد. دعوة للدخول في رحاب الرحمة، والخروج من باب الضنك والعذاب الذي نشأ من اختلافهم وارتفاع أصواتهم وخذلانهم للحق، فالله سبحانه يبين للناس ما يتقون ويكشف لهم طريق المحن. فإذا آمن أهل القرى فتح عليهم سبحانه أبواب البركات، وإذا اختلفوا