عذراء. وقيل: إن معاوية تحرك في موكبه من دمشق وضرب خيمته في عذراء، وجاء حجر إليه. ولا ندري لماذا اختار معاوية عذراء بالذات! وكما ذكرنا أن حجرا هو أول فارس قال لا إله إلا الله فيها.
وروي أن معاوية عندما أمر بقتل حجر وأصحابه، جاء رسول معاوية فقال لهم: إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي بن أبي طالب واللعن له، فإن فعلتم تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم. وإن أمير المؤمنين معاوية يزعم أن دماءكم قد حلت له بشهادة أهل مصركم عليكم. غير أنه قد عفى عن ذلك، فابرؤوا من هذا الرجل نخلي سبيلكم. فقالوا: إنا لسنا فاعلي ذلك. فأمر بقبورهم فحفرت، وأدنيت أكفانهم، فقاموا الليل كله يصلون. فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية:
يا هؤلاء لقد رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة، وأحسنتم الدعاء، فاخبرونا ما قولكم في عثمان. قالوا: هو أول من جار في الحكم وعمل بغير الحق. فقال أصحاب معاوية: أمير المؤمنين معاوية أعلم منكم. ثم قالوا: تبرؤون من هذا الرجل؟ قالوا: بل نتولاه ونتبرأ ممن تبرأ منه. فأخذ كل رجل من أصحاب معاوية رجلا منهم ليقتله. فقال لهم حجر: دعوني أتوضأ. قالوا: توضأ. فلما توضأ قال لهم: دعوني أصلي ركعتين، فأيمن الله ما توضأت قط إلا صليت ركعتين. فتركوه يصلي. فلما صلى قال: والله ما صليت صلاة قط أخف منها.
ولولا أن تظنوا في جزعا من الموت لاستكثرت فيها (1).
وروي أن بعض أصحاب حجر قالوا: ابعثوا بنا إلى معاوية، فلما دخلوا عليه دخل الخثعمي قال: الله الله يا معاوية! فإنك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة، ثم مسؤول عما أردت بسفك دمائنا. فقال له معاوية: ما تقول في علي؟ قال: أقول فيه قولك. أتبرأ من دين علي الذي يدين الله به.
فسكت معاوية ثم قال لعبد الرحمن العنزي: ما تقول في علي: فقال لمعاوية:
دعني ولا تسألني فهو خير لك. قال: والله لا أدعك حتى تخبرني عنه، فقال:
أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا، ومن الأمرين بالحق، والقائمين بالقسط،