أنار الطريق بالمبشرات والعلامات ليرفع عنهم ما جلبوه لأنفسهم، وهذا من رحمته الواسعة. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " ذهبت النبوات وبقيت المبشرات " (1). فإغلاق الطريق أمام المبشرات وعلاماتها يعني أن الذي أغلق الطريق يسير في عالم الفتن، وعالم الفتن لا يدري القاتل فيه في أي شئ قتل، ولا يدري المقتول في أي شئ قتل. وفي عالم الفتن الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم. وعلى كل داخل في الباطل إثمان: إثم العمل به وإثم الرضا به.
وليس معنى أن الفتن في الخارج أن يغلق رجال الجيل الأول على أنفسهم الأبواب، لأن الفتن على أيامهم كان عليها علامات وعلامات، وكان إمام الهدى لا يجهله أحد. إن إغلاق الباب عند المقدمة سيكون إغلاقا للحقيقة عند النتيجة. والله تعالى يجري الأحداث لينظر كيف يعمل عباده. كما أن لكل فتنة فقه. فهناك فتنة يدور فقهها على رحى " لو أن الناس اعتزلوهم " فالاعتزال هنا المقصود منه تجريد جهات الاستعلاء على عباد الله من المال، والجنود والفقهاء، فالاعتزال سيجعلهم بلا سيف وبلا سجن. وهناك فتن يجب أن يبحث المسلم فيها عن سيف من خشب، وذلك عندما يجد أن الذين من حوله يقتتلون على المال، أو على شبر من الأرض. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا رأيت رجلين من أمتي يقتتلان على المال، فاعدد عند ذلك سيفا من خشب " (2).
وقال: " إذا رأيت الأخوين المسلمين يختصمان في شبر من الأرض فاخرج من تلك الأرض " (3).
وفي الجيل الأول لم يكن الإمام علي، ومن بعده الإمام الحسن، يقاتلان من أجل المال. ولم يخرج أبو ذر، أو عمار، وأويس، أو حجر من أجل المال. فاعتزال هذا الخط يكون اعتزال في غير محله. ولقد رأينا في حركة التاريخ أن الغالب الأعم لم يعتزل الذين أمروا باعتزالهم واعتزلوا الذين نهوا عن